للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا الحكْمُ لو كان العذرُ حاصِلاً وقْتَ الخروج، فإن حضر الوقعةَ فعن رواية القاضي أَبِي الطَّيَّبِ، وصَاحِبِ التَّقْرِيب، أنه يلزمه الثباتُ، وعَنْ غيرِهما يجوز الرجوعُ؛ لأنه لا يمكِنُه القتالُ، وهذا أَظْهرُ، وخصَّ الإمامُ الخِلاَفَ بما إذا كان [لا] يُورِثُ انصرافُه انفلالاً وانْحِلالاً في الجُنْدِ، فإن أَوْرَثَهُ لم يجز الرجوعُ.

وفي "التَّهْذِيبِ" في صورة هلاك الدَّابَّةِ أنه يلزمه القِتالُ راجلاً إن أَمْكَنهُ ذلك، وإِلاَّ فله الانصرافُ. وعن بَعْضِهم فيما إِذَا انْقَطَعَ عنه سِلاَحه، أو انْكَسَرَ أنه إِنْ أمكنه القتالُ بالحجارة لزمه ذلك. وحيثُ جوزنا الانصرافَ لرجوع رَبِّ الدَّيْنِ، أو الأَبَوَيْنِ عن الإِذْنِ، أو لحدُوثِ المرض ونحوه فليس للسلطان حَبْسُه.

قال الشَّافِعِيُّ -رضي الله عنه- إِلاَّ أَنْ يتفق ذلك لجماعَةٍ، وكان يَخْشَى من انصرافِهِم الخَلَلَ في المسلمِينَ، ولو انصرف لذَهَاب نفقةٍ، أو هَلاَكِ دَابّةٍ، ثم قَدَرَ على النفقة، والدَّابَّةِ في بِلاَدِ الكُفْر -فعليه أن يرجِع إلى المجاهِدِين، وإن كان قَدْ فارقَ بِلاَدَ الكُفْر- لم يلزمه الرجوعُ إليهم.

وعن نصه: أَنَّ مَنْ خرج للجهادِ وَبِه عُذْرٌ مِنْ مرض وغيره، ثم زال عُذْرُه، وصار مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الجهاد -لمِ يكن له الرجوعُ عن الغَزْوِ دُون رُجُوع مَنْ غزا معهم، وكذا لَوْ حدثَ العُذْرُ وزال قبل أَنْ ينصرِفَ، والله أَعلم.

المسألة الثانيةُ: مَنْ شرع في القتالِ، ولا عُذْرَ له -يلزمُه المصابرةُ؛ ولا يجوزُ له الانصرافُ؛ لما يخاف منه من التخذِيلِ، وكَسْرِ قلوب الجند، وعبر الأصحابُ على هذا بأنَّ الجهادَ يَصِيرُ مُتَعيّناً على من هو مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الكفاية بالشروع.

وطالبُ العِلْم إذا اشتغل بالتعلم (١) وآنَسَ الرُّشْدَ مِنْ نَفْسه، هل يحرمُ عليه الانكِفافُ. فيه وجهان:

أَحدُهما: نَعَم، ويلزمه الإتمامُ بالشُروعِ، ويُحْكَى هذا عن القاضي الحُسين.

وأَصَحُّهما: المنعُ؛ لأنَّ الشرُوعَ لا ينبغي أَنْ يُغَيِّر حكمَ المشروع فيه، وفي الجهادِ إنَّما حرم الرجوعُ لخوْفِ التخذِيل، والانْكِفَافُ عن التعلُّمِ ليس في معناهُ، وأيضاً كُلُّ مَسْأَلةٍ مَطْلُوبة برأْسِها، مُنْقَطعة عن غَيْرها، وليست العلومُ كاَلجملةِ الواحِدَة بخلاف الجِهادِ. وهل يجبُ إِتْمَامُ صلاةِ الجَنَازَة إِذا شرع فيها؟ حَكَى الإمامُ فيه وَجْهين عن القفال.

أَحدُهما: أنه لا يجبُ، كما لا يلزمُ التطوُّعُ بالشروع، وعن أكثر الأئمة أنه يجبُ كالجهاد؛ لأن الصَّلاَةَ في حُكْم الخَصْلَةِ الواحدة، وقد تعلق الفرض بعين المصلي إذا


(١) في ز: بالتعليم.

<<  <  ج: ص:  >  >>