للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القَصْرِ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَيْهم ويساعدوهم. ولو أَوْجَبْناه لَأوْجَبْنا -أيضاً- على الذين يَلُونهم إِذا انتهى الخبرُ إِلَيْهم، وهكذا إلى أن يَسْتَوْعِبَ المسلِمينَ كُلَّهم وهو بَعِيدٌ.

والثَّانِي: يجبُ على الأَقْرَبِين، فالأَقْربين بلا ضَبْطٍ حتَّى يصلَ الخبرُ بأنهم قد كُفُّوا وأُخْرِجُوا، وليس لأهل البلْدَةِ، ثُمَّ الأَقْربين فالأَقْربين إِذَا قَدَرُوا على القِتَال أن يلبثوا إلى لحوق الآخَرِين.

ولا يُشْترطُ وِجْدَانُ المرْكُوب فيمن هو دُونَ مَسَافةِ القَصْر، وفيمن هو على مسافة القَصْر، وفوْقَها وجهان: في وِجْهٍ لا يشترطُ لشِدَّةِ الخَطْبِ.

والأَظْهرُ الاشتراطُ كما في الحج.

وحكى الإمامُ تَفْرِيعاً على الأوَّل وَجْهين في أَنَّه يُشْترطُ وِجْدان الزَّادِ، ويجري ذلك فِيمَنْ هو دُون مسافَةِ القَصْر، والأصح الاشْتِراطُ، إِذْ لا اسْتِقْلاَل بدون الزَّادِ، ولا معنى لإلزامهم الخروج مع العِلْم بِأَنَّهم يهلكون، ثُمَّ في الفصل صورتان.

إِحْدَاهُما: إذا نزلُوا في خَرَابٍ أو على جبل في دَارِ الإسلام بَعيدٍ عن البُلْدانِ والأوْطَانِ، ففي نزوله منزلة دُخُول البلاد وَجْهانِ أطلقهما في الكتاب، والذي رواه الإِمَامُ عن الأَصْحاب أَنَّهُ ينزل منزلته؛ لأَنَّهُ مِنْ دار الإسلام، والذي زاد المنع؛ لأنَّ الدِّيارَ تشرقُ بسكُونِ المسلمِينَ، وإذا لم يكن مَسْكناً لِأَحدٍ، فتكْلِيفُ المسلمين التهاوي صونها عن المَتَالِفِ بَعِيدٌ (١).

والثانية: لو أَسَرُوا مُسْلماً، أو جماعةً مِنَ المسلمين، فهل كدخُولِ دار الإسلام؟ فيه وجهان:

أَحدُهما: لا, لأنَّ تَحْرِيك الجُنودِ لواحدٍ يقع في الأَسْرِ بعيدٌ ومخالفٌ لما نُقِل في السَّيَّرِ، وأظهرهُما عند الإمامِ نعم؛ لأَنَّ حُرْمَةَ دارِ الإسلام كحرمَةِ المسلمين، والاستِيلاءُ على المسلمين أَعْظَمُ مِنْ الاسْتِيلاء على دَارِ الإسلام، وعلى هذا فلا بُدَّ من رعاية النَّطَرِ، فإِنْ كانوا على القُرْب مِنْ ديارِ الإِسْلاَم، وتوقعْنَا استخلاصَ مَنْ أَسَرْوه، لو طِرْنَا إليهم -فعلنا، وإن توغَّلُوا فيَ بلاد الكُفْرِ، ولا يمكن التسارعُ إِلَيْهم، وقد لا يتأتى خرقُها بجنود الإِسْلاَم، فيضْطَرَّ إلى الانْتظار، وهذا كما أَنَّهُ إذا دخل ملكٌ عظيمٌ منهم طرفاً مِنْ أَطْراف بلاد الإسلام لا يتسارع إلى دَفْعِه الآحادُ والطوائِفُ، ويجوزُ أَنْ يُعْلَمَ قوْلُه في الكِتَابِ: "تَعَيَّنَ عَلَى كُلِّ مَنْ لَهُ مُنَّةٌ" بالواو وقولُه: "انحَلَّ الحَجْرُ عَنِ الْعَبْدِ ... " إلى


(١) قال النووي في زوائده: هذا الذي اختاره الإِمام ليس بشيء، وكيف يجوز تمكين الكفار من الاستيلاء على دار الإسلام مع إمكان الدفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>