للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينبغي أَنْ يجمع بين اللفظِ والإِشَارة. وأَنَّ سَلامَ الأَخْرَسِ بالإشارَةِ مُعْتَدٌّ به، وكذا ردّه السلامَ. وأَنَّ الصَّبِيَّ لا يلزمُه جوابُ السلامِ؛ لأنَّهُ ليس من أَهْلِ الفرض، ولو سَلَّمَ على جَمَاعةٍ فِيهم صَبِيٌّ -لم يسقُطِ الفَرْضُ عنهم بجوابه (١). ولو سَلَّمَ الصبيُّ- ففي وجُوبِ جَوَابِه وجهان بناءً على الخلاف في صِحَّةِ إسلامه (٢).

وأَنَّ سلامَ النساءِ على النِّساءِ كَسَلاَم الرجال على الرِّجالِ، ولو سَلَّمَ رَجُلٌ على امُرَأةٍ أوْ بالعَكْسِ، فإِنْ كان بينهما زوْجِيَّةٌ أو مَحْرَمِيَّةٌ -جاز، وثبت استحقاقُ الجوابِ، وِإلاَّ لَمْ يَثْبُتْ إِلاَّ إِذَا كانت عَجُوزاً خارِجةً عن مَظَنَّةِ الفتنة (٣).

وأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مَنْ دخل دَارَ نفْسِه أن يُسَلِّمَ على أهْلِه، وأَنَّ مَنْ دخل مَسْجداً أو بيتاً، وليس فيه أحدٌ، يستحب أن يقول: السَّلامُ عَلَيْنَا وعلى عِبَادِ الله الصَّالِحِينَ (٤).

وأَنَّهُ لا يجوزُ السلامُ على أَهْلِ الذَّمَّةِ ابتداءً، ولو سَلَّمَ على مَنْ لم يَعْرِفْه، فَبَانَ ذِمِّيًّا -فَيُسْتَحَبّ أَنْ يسترد سَلامَهُ بأَنْ يَقُولَ: رُدَّ عليَّ سَلاَمِي؛ تَحْقِيراً له، ويُحَيَّى الذِّمي بغير السَّلاَم بأن يُقالَ: هَدَاكَ اللهُ، وأَنْعَمَ اللهُ صَبَاحَكَ، أَوْ أَطَالَ اللهُ بَقَاءَكَ، وإذا سَلَّمَ عليه ذِمِّيٌّ لَم يزِدْ في الجوابِ على قوله: وَعَلَيْكَ (٥).


(١) قال النووي في زوائده: هذا هو الأصح وبه قطع القاضي والمتولي، وقال الشاشي: يسقط، كما يصح أذانه للرجال ويتأدى به الشعار، وهذا كالخلاف في سقوط الفرض بصلاته على الميت. والله أعلم.
قال في الخادم: وصحح المصنف في شرح مسلم السقوط والصواب ما ذكره هنا.
(٢) قال النووي: كذا ذكره القاضي والمتولي، والصحيح وجوب الرد، قال الشاشي: هذا البناء فاسد، وهو كما قال: واعلم أن السلام على الصبيان سنة.
(٣) قال النووي: وجاريته كزوجته، وقوله: جاز، ناقص، والصواب أنه سنة كسلام الرجل على الرجل، قاله أصحابنا، قال المتولي: ولو سلم على شابة، لم يجز لها الرد، ولو سلمت، كره له الرد عليها، ولو كان النساء جمعاً، فسلم عليهن الرجل، جاز، للحديث الصحيح في ذلك.
(٤) قال النووي: يستحب أن يسمي الله تعالى قبل دخوله، ويدعوا ثم يسلم.
(٥) قال النووي في زوائده: ما ذكره من استحباب استرداد السلام من الذمي، ذكره المتولي، ونقله عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقوله: أن يحيى الذمي بغير السلام، ذكره المتولي، وهذا إذا احتاج إليه لعذر، فأما من غير حاجة، فالاختيار أن لا يبتدئه بشيء من الإكرام أصلاً، فإن ذلك بسط له وإيناس وملاطفة وإظهار ود، وقد قال الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وأما المبتدع، فالمختار أنه لا يبدأ بسلام إلا لعذر، أو خوفاً من مفسدة، ولو مر على جماعة فيهم مسلمون، أو مسلم وكفار، فالسنة أن يسلم ويقصد المسلمين أو المسلم، ولو كتب كتاباً إلى مشرك، وكتب فيه سلاماً، فالسنة أن يكتب كما كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل: "سلام على من اتبع الهدى". والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>