للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه (١) - وبارز الزُّبَيرُ -رضي الله عنه- يَاسِرًا (٢)، وإذا خرج مُشْرِكْ ودعا إلى المُبَارَزَةِ، فَيُسْتَحَبُّ الخُرُوجُ إليه؛ لما روي أَنَّ الثَّلاثةَ المذكورين طَلَبُوا المُبَارَزة، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه -رضي الله عنهم- بالخُرُوجِ إليهم (٣)، ولأَنَّهُ إذا لم يَبْرُزْ أَحَدٌ إليهم، ضَعُفَتْ قُلُوبُ المسلمين، واجْتَرَأ المشركون، والخُرُوجُ وابتِدَاءُ المُبَارَزَةِ ليس بِمُسْتَحَبٍّ ولا مَكْرُوهٍ.

أمَّا أَنَّهُ ليس بمُسْتَحَبٍّ، فلأنه قد يُقْتَلُ فتَنْكسِرُ قُلُوبُ المسلمين.

وأَمَّا أنَّهُ ليس بِمَكْرُوهٍ، فلما فيه من إِظْهَارِ القُوَّةِ، وعن ابن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ وأَطْلَقَ ابْنُ كَجٍّ اسْتِحْبَابَ المُبَارَزَةِ، ولم يُفَرِّقْ بين الابْتِدَاءِ والإِجَابَةِ وإِنَّمَا تَحْسُنُ المُبَارَزَةُ ممن جَرَّبَ نَفْسَهُ وعَرَفَ قُوَّتَهُ وجَرَاءَتَهُ.

وأَمَّا الضعيف الذي لا يَثِقُ بِنَفْسِهِ، فَتُكْرَهُ له المُبَارَزَةُ ابْتِدَاء وإِجَابَةً. نَصَّ عليه، وحكى في "البَيَان" وَجْهًا أَنَّهُ لا يَجُوزُ، والمشهور الأَوَّلُ (٤)، والمُسْتَحَبُّ ألا يَخْرُجَ للمبارزة إِلاَّ بِإِذْنِ الإِمام، وهل يَجُوزُ من غير إذْنِهِ؟ فيه وجهان:

أصحهما: وهو الذي اوْرَدَهُ أكثرهم -أَنَّهُ يجوز؛ لأنَّ عَبْدَ الله بن رَوَاحَةَ، وعَوْفًا ومُعَوِّذًا ابني عَفْرَاءَ -رضي الله عنهم- خرجوا يوم "بدرٍ" مُبَارِزِينَ، فلم يُنْكِرْ عليهم رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم (٥) -.


= بنحوه قال الحاكم: صحيح الإسناد على أن الأخبار متواترة بأن علياً هو الذي قتل مرحباً. والحديث عند البيهقي ٩/ ١٣١.
(١) رواه مسلم في صحيحه (١٣٢ - ١٨٠٧) من حديث سلمة بن الأكوع مطولاً، وفيه: فخرج مرحب، وهو يقول:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجرَّبُ
إِذَا الحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ
فقال علي:
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أمِّي حَيْدَرَهْ ... كَلَيْثٍ غَاباتٍ كَرِيهِ المَنْطَرَهْ
أوفِيهِمُ بالصَّاع كَيْلَ السَّنْدَرَهْ
فضرب رأس مرحب فقتله.
(٢) رواه ابن إسحاق في المغازي والبيهقي منقطعاً، وفي البخاري من رواية هشام بن عروة عن أبيه قال: قال الزبير: لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاص فذكر قصة قتله له.
(٣) تقدم.
(٤) لو كان المبارز الضعيف أمير السرية ويخشى من قتله انهزام المسلمين، فلا يجوز المبارزة قطعًا كما جزم به الماوردي. قاله في الخادم.
(٥) متفق عليه من حديث عبد الرحمن بن عوف وقد تقدم من قسم الفيء والغنيمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>