للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه وَجْهٌ: أنَّهُ إذا استرقَّ بَطَلَ وَلاَؤُهُ على عَتِيقِهِ، كما يَبْطُلُ مِلْكُهُ على عَبْدِهِ.

الثالثة: إذا سُبِيَ الزَّوْجَانِ معاً، أو سُبِيَ أحدهما يَنْفَسخُ النِّكَاحُ، صَغِيرَيْنِ كانا، أو كبيرين ورقّا سواء كان قبل الدُّخُولِ أو بعده. قاله مالك.

وقال أبو حنيفة: إن سُبيَا مَعًا يَدُومُ النِّكَاحُ بينهما، وإن سُبِيَ أَحَدُهُمَا دون الآخر، يقع النِّكَاحُ لاِخْتِلاَفِ الدَّار، لا لحدوث الرِّقِّ، واحْتَجَّ للمذهب بما رُوِي أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قال يومُ أَوْطَاس: "أَلاَ لاَ تُوطَأ حَامْلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلاَ حَائِلٌ حَتَّى تَحِيْضَ" (١) ولم يفصل بين ذات الزَّوْجِ وغيرها, ولا بين أن يكون مَعَهَا زَوْجُهَا، أو لا يكون.

وعن أبي سعيد الخُدَرِيِّ -رضي الله عنه- قال: أَصَبْنَا نِسَاءً يَومَ أَوْطَاسٍ، فكرهوا أنْ يَقَعُوا عَلَيْهِنَّ من أَجْل أَزْوَاجِهنَّ من المشركين، فأنزل الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] فاسْتَحْلَلْنَاهُنَّ (٢).

وأيضاً فَإِنْ الرِّقَّ إذا حَدَثَ زَالَ مِلْكُهَا عن نَفْسِهَا, ولأن تَزُولَ العِصْمَةُ بينها وبين الزَّوْجِ كان أَوْلَىَ، وهذا المعنى هو ما أَرَادَ الشَّافِعِيُّ -رضي الله عنه- في "المختصر" بقوله: "وليس قَطْعُ العِصْمَةِ بينهن وبين أزْوَاجِهِنَّ بأكثر من اسْتِئْمَانِهِنَّ.

وإن كان الزَّوْجَانِ رَقِيقَيْنِ فَغُنِمَا، أو أحدهما، ففي انْقِطَاعِ النِكاح وجهان، سواء كانا مُسْلِمَينِ، أو كافرين:

أصحهما: المَنْعُ؛ لأنَّهُ لم يَحْدُثِ الرِّقُ، وإنما انتقل المِلْكُ من شَخْصٍ إلى شخْصٍ، وذلك لا يُؤَثِّرُ في النِّكَاحِ كالبَيْعِ وغيره.

والثاني: ينقطع، لأنَّهُ حَدَثَ شَيْءٌ يُوجِبُ الاسْتِرْقَاقَ، فكان لحدوث الرِّقِّ، ولهذا لو سُبيَتْ المُسْتَوْلَدَةُ تَصِيرُ قِنَّةً. ومنهم من قَطَعَ بالوَجهِ الأَوَّلِ، ويجوز أن يُعَلمَ لذلك لفظ الوَجْهَيْنِ في قوله في الكتاب وفي انْقِطَاع نِكَاح الرَّقِيقيْنِ المَسْبِيَّيْنِ وَجْهَان بالواو، وأَرَادَ اللَّذَيْنِ كانا رَقِيقَيْنِ قبل السَّبْي.

وفي قوله: "ولا تَنْقَطِعُ إجَارَتُهُ عن الدَّارِ المغنمة، والعَبْدِ المسبي"، لا يلزم لِلْحَمْلِ على من كان عَبْدًا قَبْلَ السَّبْي، بل حُكْمُ الإجارة فيه وفي الحُرِّ الذي اسْتُرِقَّ بَعْدَ السَّبْيِ واحِدٌ، لا فَرْقَ بينهما.

وقوله: "انقطع نِكَاحُهُ عن الأَمَةِ الكِتَابِيَّةِ"، يعني أنَّ هذه المسبية تَصِيرُ أَمَةً كِتَابيَّةً، ولا يجوز إِمْسَاكُ الأمَةِ الكتابية لِلنَّكَاحِ على مَا بَيَّنَّا.


(١) تقدم في الاستبراء.
(٢) رواه مسلم [١٤٥٦] نحوه، وفي آخره: فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن.

<<  <  ج: ص:  >  >>