للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو صدرت إِحْدَى الجراحَتَيْنِ على الصَّيْدِ المملوكِ، أو على العَبْد مِنْ مَالِكِه، والأُخْرَى من أجْنَبِي، فينظر في جِرَاحَةِ المالك: أَهِي الأُولَى أو الثانيةُ؟ ويُخرَّجُ على الاختلافاتِ المذكورَةِ، فتسقط حِصةُ المالِك، وتجب حصةُ الأَجْنبي.

وعن القاضي أَبِي حَامِدٍ (١) أَنَّ الجوابَ المذكورَ في الجِنَايَتَيْنِ على العَبْدِ مَوْضِعُه ما إذا لم يكن للجنايةِ أرْشٌ مُقَدَّرٌ، فأما الجِنَايَات التي لها أرشٌ مقدر، فليس العبدُ فيها كالبَهِيمةِ والصَّيْدِ المملُوكِ، حتى لو جنى على عبدِ غَيْرِه جنايةً. ليس لها أرشٌ مُقدَّرٌ، وقيمةُ العبدِ مائةٌ فنقصت الجنايةُ عَشَرةً، ثم جنى آخرُ جنايةً لا أَرْشَ لها، فنقصت عشرةً أيضاً، ومات العبْدُ منهما، فعلى الأول خمسةٌ وخَمْسُونَ، وعلى الثاني خمسةٌ يدفع منها خمسةً إلى الأَوَّلِ، وهذا هو الذي نسباهُ إِلَى إِسْحاقَ، وهو اختيارُ القَاضِي.

قال ولو قطع كُلُّ واحدٍ منهما يَداً، والقيمةُ والنقصانُ كما صوَّرنَا، فعلى الأولِ نصفُ أرشِ اليدِ، وهو خمسةٌ وعِشْرون ونِصْفُ قيمتهِ يومَ الجنايَةِ وهو خَمْسُونَ، وعلى الثاني نِصْفُ أَرْشِ اليَدِ خمسةٌ وعِشْرون، ونصف القيمةِ يومَ جِنايتهِ وهو أربعون تبلغ الجملةُ مائةً وأرْبعِينَ، ويكون الكُلُّ لِلسَّيِّدِ، ولا يصرفُ إِلَى الأَوَّلِ شَيْءٌ؛ لأن [في الجناياتِ] (٢) التي لها أَرْشٌ مقدَّرٌ يجوز أنْ يَزِيدَ الواجِبُ على قيمةِ العَبْدِ كما لو قطع إِحْدَى يديْهِ، وجاء آخرُ، وقتله.

إذا تقرر ذلك، فنعود إلى مَسْألةِ الصَّيْدِ ونقولُ: إذا جرح الثاني جراحةً غيرَ مُذَفِّفةٍ ومات الصيْدُ من الجِرَاحَتَيْنِ، فيُنظر: إن مات قبل أَنْ يدرِكَه الأولُ، أو قبل أن يتمكَّنَ مِنْ ذَبْحِه؛ فعلى الثاني تمامُ قِيمته مزمنًا؛ لأنه صار حَرَاماً ومَيْتَةً بفعْلِه، ويخالف ما إذا جرحَ شاةَ نفْسِه، وجرحها آخرُ فتلِفَتْ حيثُ لا يجب على الثاني إِلاَّ نصفُ القِيمة؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ من الجُرحَيْنِ هناك محرَّمٌ، والإفسادُ هناك حصل بهما جميعاً، وهاهنا فعل الأولِ اكتسابٌ وإصلاحٌ [وذكاةُ] (٣) ثم قضية ما أَطْلقُوه أَنْ يُقالَ: إذا كان الصيدُ يساوِي غيرَ مُزمِنٍ عشرة ومُزْمن تِسْعة، يجب على الثاني تِسْعَةٌ.

واستدركَ "صاحِبُ التقريب" فقال: فعل الأَوَّلِ وإنْ لم يكن إِفْسَادًا فهو مُؤَثِّرٌ في الذَّبْحِ وحصُولِ الزهوقِ، لا محالةَ. فينبغي أَنْ يعتبر في الإفسادِ حتى يُقالَ: إذا كان غيرَ مُزْمن يساوي عشرةً ومُزْمناً يساوي تسعةً، ومَذْبُوحًا ثمانيةً يلزمه الثمانيةُ والدِّرْهمُ الآخرُ أثَّر في فواتِه الفِعلان جميعاً، فينبغي أَنْ يوزَّع عليهما، حتى يهدر نِصْفَه، ويجب نصفُه مع الثمانية.


(١) في ز: أبي الطيب.
(٢) في ز: من الجنايتين.
(٣) في ز: وذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>