للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبقوله "بالتصدُّقِ بالثلثِ، ويأْكُلُ الثلثَ، ويدخر الثلثَ" [ويجوز أن يقرأ: وَيدَّخِرُ الثلثَ] (١) والأَحْسَنُ أَنْ يُقْرَأ أَوْ يِدَّخِرُ الثلثُ؛ ليوافِقَ اللفْظَ والتصدُّقَ والأَكْلَ، ثُمَّ التثلِيثُ ثم بالكيفيةِ التي أَوْرَدَها بَعِيدٌ نَقْلاً وَمَعْنًى.

أَمَّا النقلُ فلأنه لا يكادُ يُوجَدُ في كتابٍ مُتَقدِّمٍ، ولا مُتَأَخِّر وليس في "النِّهايَةِ" ولا في "الوَسِيط" تصريحٌ به.

وأما المذكورُ أنه يكْفِي التصدُّقُ بالثلثِ، والذي رواه سائِرُ الأَصْحابِ ما قدَّمْنَا (٢).

وأما المعْنَى: فَلأَنَّ الإِدِّخارَ والأَكْلَ [تختصُّ فائِدتُهما به فلا وَجْهَ] (٣) لجعْلِ أَحدِهما في حَيِّزٍ والآخرَ في حَيِّزٍ وإنما المعقولُ أن يُجْعَلاَ في حيِّزَ وَاحِدٍ، ثم تارةً يُذْكَرانِ مَعاً، وتارة يُسْتَغْنَى بأَحدِهما عن الآخر؛ كما اقتصر كَثِيرُونَ على ذُكْر الأكْلِ، ولم يتعرّضُوا للادِّخَارِ.

وعن البُوَيْطِي: أنه يُبَقِّي الثلثَ -أَيْ: لِنَفْسِه، ويتصدقُ بالثلثِ ويهدي الثلثَ، والصدقةُ والهديةُ ترجع فَائِدَتُهما إلى صنفين، فحسن جَعْلُ كُلِّ واحدٍ منهما في حَيِّزٍ ويُشْبِه أَنْ يَكُونَ الموهَمُ الكيفيةَ التي أوْرَدها في الكتاب ما ذكر الإمامُ أنه مَنْ قال بالتثلِيثِ احتج بما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال في حَدِيثِ الدَّافَّة " ألا فَكُلُوا وَادَّخرُوا وَاتجِرُوا" (٤) أي: اطْلُبُوا الأَجْرَ بالصدقةِ، فذكر ثلاث جهات [ولك أنْ تمنع كَوْنَها ثَلاَثَ جِهَاتٍ] (٥) وتجعل الأكْلَ وَالاِدِّخَارِ جهةً واحدَةً؛ لما تقرَّرَ وتقول: إنما تعرَّضَ للادخارِ؛ لأنَّهُم راجَعُوه فيه، فقال: كُلُوا في الحَالِ إن شِئْتُم، وادَّخَروا إِنْ شِئْتُم.

قال الغَزَالِيُّ: وَجِلْدُ الضَّحِيَّةِ يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يُنْتَفَعُ بِهِ في البَيْتِ* وَوَلَدُ الضَّحِيَّةِ لَهُ حُكْمُ الأُمِّ لَكِنْ يَجُوزُ أَكْلُ جَمِيعِهِ كَمَا يَجُوزُ أَكْلُ جَمِيعِ اللَّبَنِ لِأنَّهُ جُزْءٌ* وَلَوِ اشْتَرَى شَاةً وَقَالَ: جَعَلْتُهَا ضَحِيَّةَ ثُمَّ وَجَدَ بها عَيْباً لَمْ يَكُنُ لَهُ الرَّدُّ وَلَهُ الأَرْشُ* وَلاَ يَلْزَمُ صَرْفُ الأَرْشِ إِلَى مَصْرِفِ الضَّحَايَا.

قال الرَّافِعِيُّ: في هذه البقيَّةِ مَسَائِلُ ثلاثٌ:


(١) سقط في ز.
(٢) قال النووي في زوائده: قال الشَّافعي رحمه الله في "المبسوط": أحب أن لا يتجاوز بالأكل والادخار الثلث، وأن يهدي الثلث، ويتصدق بالثلث، هذا نصه بحروفه، وقد نقله أيضاً القاضي أبو حامد في "جامعه"، ولم يذكر غيره. وهذا تصريح بالصواب، وردّ لما قاله الغزالي.
(٣) في ز: يختص بأيديهما ولا حاجة.
(٤) أحمد وأبو داود من حديث نبيشه الهذلي به في حديث.
(٥) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>