للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث: أنَّ ما يُؤكل نظيره في البر فحلال؛ كالبقر والشاة، يؤُكل في البحر، وما لا يُؤكل كخنزير الماء وكلبِه، لا يُؤكل، قال في "العدة": وعليه الفتوى اليومَ؛ وعلى هذا، فلو لم يكن له نظيرٌ فِي البرِّ محلَّلٌ ولا محرَّمٌ، فهو حلال؛ لما رُوِيَ أن طائفة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَصَابَتْهُمُ المَجَاعَةُ في غَزَاةٍ، فَلَفَظَ البَحْرِ حَيَوَاناً عَظِيماً يُسَمَّى العَنْبَرَ فأَكَلُوا مِنْهُ، ثُمَّ أَخْبَرُوا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا قَدِمُوا، فَلَم يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: "هَلاَّ حَمَلْتُمْ لِي مِنْهُ" (١) وإذا حكمنا بحل ما سوى السمك من حيوان البحر، فهل يُشترط فيه الذكاة أم تحلُّ ميتته؟ فيه وجهان، ويُقال قولان:

أحدهما: وَبِهِ قال أحمد: يُشْتَرَطَ الذكاة، كما في حيوانات البر.

وأصحُّهُما: أنه يَحِلّ ميتتها؛ لأنها حيوانات تعيش في الماء؛ فأشبهت السمك، وأيضاً، فقد أشار الإمام إلى أن المسقط لاعتبار الذبْح في السمك؛ أنه ما دام في الماء لا تَصِل اليد إليه، وإذا أخرج، اضطِرَب اضطرابَ المذبوح، وهذا يشمل السمكَ وغيرَه، وقد يُبنى الخلاف في اشتراط الذكاة فيما سوى السمك على أنه، هل يقع عليها اسمُ الحوت.

والضربُ الثاني: ما يعيش في الماء ويعيش في البر أيضاً، فمنه طيرُ الماء؛ كالبَطِّ والإِوَزِّ ونحوهما، وقد بينا حكمهما، فلا تحلُّ ميتتُها بحال، وعدَّ الشيخ أبو حامد والإِمامُ مِنْ هذا الضرب الضِّفْدَع (٢) والسَّرطان، وكذلك فعل صاحبُ "التهذيب" وألحق


(١) متفق عليه [البخاري ٢٤٨٣ - ٢٩٨٣ - ٤٣٦٠ - ٤٣٦١ - ٤٣٦٢ - ٥٤٩٣ - ٥٤٩٤، مسلم ١٩٣٥] من حديث جابر، قال: بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن ثلاثمائة راكب، وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح، نرصد عيراً لقريش، فأقمنا بالساحل نصف شهر، وأصابنا جوع شديد، فذكر الحديث بطوله، وله عندهما ألفاظ، وأما قوله في آخره: هل حملتم لي منه، فرواه البخاري بلفظ: أطعمونا إن كان معكم، فأتاه بعضهم بشيء فأكله، وفي رواية فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا، قال: فأرسلنا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- منه، فأكله.
(٢) بكسر الضاد وسكون الفاء والعين المهملة بينهما قال مهملة مثال الخنصر واحد الضفاح والأنثى ضفدعة وناس يقولون ضفدع بفتح الدال قال الخليل ليس في الكلام فعلل إلا أربعة أحرف درهم وهجرع وهو الطويل وهبلع وهو الأكول وبلعم وهو اسم وقال ابن الصلاح الأشهر فيه من حيث اللغة وكسر الدال وفتحها أشهر في ألسنة العامّة وأشباه العامّة من الخاصة وقد أنكره بعض أئمة اللغة وقال البطليوسيّ في شرح أدب الكاتب وحكي أيضاً ضفدع بضم الضاد وفتح الدال وهو نادر وحكاه المطرّزيّ أيضاً في الكفاية وذكر الضفاح يقال له العلجوم بضم العين والجيم وإسكان اللام والراو آخره ميم ويقال للضفدع أبو المسيح وأبو هبيرة وأبو معبد وأم هبيرة والضفاع أنواع كثيرة وتكون من سفاد وغير سفاد وتتولد من المياه القائمة الضعيفة الجري ومن العفونات وعقب الأمطار الغزيرة حتى يظن أنه يقع من السحاب لكثرة ما يرى منه على الأسطحة عقب المطر والريح وليس ذلك عن ذكر وأنثى وإنما الله تعالى يخلقه في تلك الساعة من طباع تلك التوبة وهي =

<<  <  ج: ص:  >  >>