للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . .


= الواجب في كفارة اليمين من الطعام نصف صاع من البر لكل مسكين، وصاع من غيره كالتمر ونحوه؛ لأنها أقل منزلة من البر، ولا تفاوت بينها عندهم.
وروى أبو داود بإسناده من حديث أوس بن الصامت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أَعْطَاهُ خَمْسَةَ عَشْرَ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكيناً" فهذه الرواية تثبت أن الطعام كان من الشعير، وأن المقدار الذي أعطي للمساكين خمسة عشر صاعاً، فيكون للمسكين الواحد مد من الشعير، ومن هذا أخذ الشَّافِعِيُّ، ومالك -رضي الله عنهما- مذهبيهما؛ لأنه لا فرق عندهما بين الشعير وغيره من باقي الأصناف، والإِطعام في كفارة اليمين مقدر عندهما بالإِطعام في غيرها من الكفارات.
واستدل الحنابلة بما رواه الإِمام أحمد عن إسماعيل قال: حَدَّثَنَا أيوب عن أبي يزيد الْمَدَنِيِّ قال: جاءت امرَأَةٌ من بني بياضة بنصف وسقٍ من شعير، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لِلْمُظَاهِرِ: "أَطْعِمْ هَذَا فَإِنَّ مدَّى شَعِيرٍ مَكَانَ مُدّ بُرٍّ".
وورد في حديث أوس بن الصامت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إني سأعينه بعرق من تمر، فقالت امرأته يا رسول الله إني سأعينه بعرق آخر قال: أحسنت اذهبي، فأطعمي بها عنه ستين مسكيناً، وارجعي إلى ابن عمك. قال سلمة بن عبد الرحمن: والعرق: زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعاً من هذين الحديثين أخذ الإِمام أحمد بن حنبل مَذْهَبَهُ وهو ظاهر، فإن الحديث الأول أمر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- المُظَاهِرَ بأن يطعم نصف الوسق من الشعير أعني ثلاثين صاعاً منه ستين مسكيناً فيكون لكل مسكين نصف صاع من الشعير، أعني: مُدّين، وغير الشعير ما عدا البرَّ كالشعير، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث نفسه: "فَإِنَّ مُدَّيْ شَعِيرٍ مَكَانَ مُدّ بُرٍّ"، وهذا يقضي بان الواجب من البر مُدّ وَاحِدٍ، والحديث الثَّانِي يفيد أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر امرأة أوس بان تتصدق بمجموع ما أعطته، وما أعطاه -صلى الله عليه وسلم- وهما العرقان، ومقدارهما ثلاثون صاعاً من التمر على الستين مسكيناً، ثم ترجع إلى زوجها، وذلك يقضي بان المسكين الواحد له نصف صاع من هذا المقدار.
النوع الثاني: من الأنواع المخيَّر فيها في كفارة اليمين، هي كسوة عشرة مساكين، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ}.
و"مقدار ما يعطى منها لكل مسكين".
اتفقت كلمة الفقهاء على أن المكفر إذا أعطى لكل مسكين من العشرة ثوبين فأكثر كفاه ذلك، وسقطت عنه الكفارة.
ولكنهم اختلفوا في أقل ما يعطاه المسكين الواحد فَذَهَبَ الشَّافعي -رضي الله عنه-، وجمهور أهل الظاهر إلى أن أقل ما يعطاه المسكين الواحد هو ما يطلق عليه اسم الكسوة، كالمنديل، أو العِمَامَةِ، أو الإِزار، ولا يشترط أن يكون صالحاً للمعطي، بل جائز أن يعطي ما يصلح للكبير للصغير، وما للرجل للمرأة وبالعكس، كما لا يشترط أن يكون جديداً.
وذهب الإِمام مالك، وأصحابه إلى أن المجزئ من ذلك ثوب تصح فيه الصَّلاَةُ، فإن كان المسكين رجلاً وجب أن يعطى ثوباً يستر جميع البدن، وإن كان امرأة وجب أن تعطى ثوباً تستر به جميع بدنها، وخماراً تغطي به رأسها، وفي ذلك يقول مالك في الموطأ: "أحسن ما سمعت في الذي يكفر عن يمينه بالكسوة أنه إن كسا الرجال كساهم ثوباً ثوباً، وإن كسا النساء كساهم ثوبين ثوبين درعاً وخماراً وذلك أدنى ما يجزئ كُلاً في صلاته" وليس بلازم أن يكون الثوب، أو =

<<  <  ج: ص:  >  >>