للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أدْخُلُ هذه الدار" (١) ففيه وجهان والظاهر، الحِنْث، وقد تقدَّم ذكرهما.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ حَلَفَ لا يَرْكَبُ دَابَّةَ العَبْدِ لَمْ يَحْنَث إِلاَّ بِمَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ العِتْقِ إلاَّ إِذَا قُلْنَا: إِنَّه يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، وَلَوْ حَلَفَ لا يَرْكَبُ سَرْجَ دَابَّةٍ حَنِثَ بِمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَيْهَا بِخِلافِ العَبْدِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الحالفُ عَلَى دابَّةِ عبدِ فلانٍ، ودارِهِ، لا يحنث بالدابَّة والدار المجعُولَيْنِ باسم العبد؛ إلاَّ أن يريده؛ لأن الإضافة للمِلْك، ولا مِلْكَ للعبد، وقال أبو حنيفة: يحنث بالإِضافة العرفية، فإن ملكَّهَ السَّيِّدُ دابة أو دارًا، بَنَى على أنَّه هلْ يملك؟ إنْ قلنا: نعم، حَنِثَ، وإلا، فلا، هكذا قاله الجمهور.

وقال القاضي ابن كج: لا يَحْنَث، وإنْ قلنا: إنَّه يَمْلِك؛ لأنَّ ملكه ناقصٌ، والسيد متمكِّنٌ من منعه من التصرُّف، وكأنه بينه وبين سيده.

وصار كما لو حلف؛ لا يركَبُ دابَّة فلان، فركب دابَّةً مشتركةً بينه وبين غيره والحالفُ عَلَى دابَّة زيْدٍ، لا يحْنَثُ بما ملَّك زيدٌ عبْدَهُ (٢) إن قلْنا: إنه لا يملك لم يحنث وإن قلنا: يملك، حنث؛ خلافًا لأبي حنيفة، وقوله في الكتاب "إلا بما يَمْلِكُهُ بعد العتق"، يريد به أنَّه إذا أعتق، وملك دابة، فركبها الحالف، يحنث.

وفي كتاب القاضي ابن كج: أنه إذا أطْلَقَ ولايته له لم يحنث في هذه الصورة؛ لأنَّه لم يَرْكَبْ دابَّة العَبْدِ، وإنَّمَا ركبَ دابَّة حُرٍّ وينبَغِي أن يُقَالَ: إنَّ قال: لا أرْكَبُ دابَّةَ هذا، ولم يزيد عليه، فيحنث في هذه الصُّورة، وإن قال: لا أَرْكَبُ دابَّة عَبْدٍ، فلا يحنث، وإنْ قال: لا أركَب دابَّةَ هذا العبدْ، فليكنْ على الخلاف فيما إذا حَلَف؛ لا يكلم هذا العبد، فَعَتَقَ ثم كلمه، وسيأتي ذلك.

ولفظ الكتاب حيث قال "لا أركب دابة العبد" إلى هذا التصوير الثالثِ أقربُ وإلا فلا يحْسُن إدْخَال الألف واللام، وحينئذٍ فيجوز أن يُعْلَمَ قوله "إلا بما يملكه بعد العِتْق" بالواو، ويجوز أن يعلم أيضًا قوله: "إلا إذا قلنا: إنَّه يملك" لما حكينا عن القاضي ابن كج.

ولو قال: لا أركب سرج هذه الدابة، فركب السَّرْجَ المعروف بها، حنث وإن كان على دابَّة أخرَى، وإنما كان كذلك؛ لأَنَّ الإضافة هاهنا لا تكون للتعريف إذ المِلْكُ غيْرُ متوقَّع، ويقْرُب من هذا ما إذا حلَفَ علَى سوق، أو خانٍ كان منسوبِ لخانِ القابِضِ كخان أبي يعلى عندنا فيُحْمَلُ علَى التَّعْرِيفِ.


(١) سقط من: ز.
(٢) سقط من: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>