للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوتر ركعة، وأقل الشفع ركعتان، وفي هذا المعنى كالأول، ونقل عنه أنه ليس للأكثر حد، وذكر بعضهم: أن الأكثر عنده ثلاث عشرة.

إذا عرفت ذلك فاعلم قوله: (من الواحدة) بالحاء والميم، وقوله: (إلى إحدى عشرة) بهما وبالواو، ثم في قوله: (وعدده من الواحدة إلى إحدى عشرة) استدراك لفظي من جهة الحساب، وهو أنه جعل الواحد من العدد، والحساب يمتنعون عن ذلك، ويجعلون الواحد أم العدد، ويقولون: العدد نصف حاشيته اللتين بعدهما منه سواء، وليس للواحد حاشيتان.

المسألة الثانية: إذا زاد على ركعة واحدة وأوتر بثلاث فصاعداً، فظاهر المذهب: أن له أن يتشهد في الركعة الأخيرة لا غير. وله أن يتشهد في الركعتين الأخيرتين؛ لأن كل منهما منقول، وروي عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ يُوتِرُ بِخَمْسٍ، وَلاَ يَجْلِسُ إِلاَّ فِي أُخْرَاهُنَّ" (١).

وروى عنها أيضاً: "أَنَّهُ أَوْتَرَ بِتِسْعٍ، لَمْ يَجْلِسْ إِلاَّ فِي الثَّامِنَةِ وَالتَّاسِعَةِ، وَبِسَبْع، لَمْ يَجْلِسْ بها إِلاَّ في السَّادِسَة وَالسَّابِعَةِ" (٢).

وحكي في "النهاية" عن بعض التصانيف: أن من أصحابنا من لم ير الاقتصار في التشهد على الواحد مجزئاً، وحمل ما روي من التشهدين على ما إذا فَصَل بين الركعة الأخيرة وما قبلها بالسَّلاَمِ، ونقل بعضُهم عن "طريقة" القاضي الحُسَين، أن الوتر بثلاث كصلاة المَغْرِب بتشهدين وتسليمة لا يجوز، وربما يقول: تبطل صلاته؛ لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ يُوتِرُ بثَلاَثٍ لا يَجْلِسُ إِلاَّ فِي أُخْرَاهِنَّ" (٣) وروي أنه قال: "لاَ تُوتِرُوا بِثَلاَثٍ فَتَشَبَّهُوا بِالْمَغْرِبَ" (٤).

والظاهر الأول؛ وهو أنهما سائغان وهو الذي ذكره في الكتاب، ورد الخلاف إلى الأولى، ففي وجه الاقتصار على تشهد واحد أول؛ فَرْقاً بين صلاة المغرب والوتر إذا أوتر بثلاث، وهذا ما اختاره القاضي الروياني في الحلية، وفي وجه الإتيان بتشهدين أولى كيلا يخرج عن وضع سائر الصلوات، وقد أطلق كثيرون منهم صاحب "التهذيب": أنه إن شاء فعل هكذا، وإن شاء هكذا، ومطلق التخيير يقتضي التسوية بينهما.

وقوله في الكتاب: (وإذا زاد على واحدة) أي: ووصل وقوله: (والكلام في الأولى) ينبغي أن يعلم بالواو، لما حكينا من الوجهين، ولو زاد على تشهدين فجلس


(١) أخرجه مسلم (٧٣٧).
(٢) أخرجه النسائي (٣/ ٢٤٠).
(٣) تقدم وهو بعض الحديث.
(٤) انظر التخريج السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>