للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه، إذا طلبه المدَّعي، وإِذا وفَّى، هل يطالب المدَّعِي بكفيل؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأن الغائب قد يكون لَهُ مَدْفَع، إذا حضر، فيحتاط له.

وأظهرهما: المنع؛ لأن الحكم قديمٌ في الحال، والأصلُ عَدَمُ الدفع.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: فُرُوعٌ: الأَوَّلُ: فِي القَضَاءِ عَلَى الغَائِبِ فِي العُقُوبَاتِ قَوْلاَنِ، وَلاَ يُقْبَلُ كِتَابُ القَاضِي إِلَى القَاضِي وَلاَ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي عُقُوبةٍ عَلَى قَوْلٍ، وَفِي القِصَاصِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنَ الحُدُودِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: بَيَّنَّا أن القضاء على الغَائِب جائزٌ، وذلك في غير العقوبات، وأما العقوبات، فما كان حقاً لله تعالَى؛ كحد الزنا والشرب وقطع الطريق فقولان:

أحدهما: الجواز أيضاً، كما في الأموال، ويكتب القاضي إِلى قاضي بلدِ المشهودِ علَيْه؛ ليأخذه بالحَقِّ.

وأصحهما: المنعُ؛ لمعنيين:

أحدهما: أن الحدودَ يُسْعَى في دَرْئِهَا، ولا يُوسَّع بابها.

والثاني: أنَّ حقوقَ الله تعالَى، يبنَى على المساهلة؛ لاستغنائه، وحقوق العبادِ علَى المضايقة والتشْديد؛ لاحتياجهم، وأما حقُّ الآدميِّ؛ كالقصاص وحد القذف فالصَّحيح المنصوص الجوازُ، وفيه قول مخرَّجٌ من حدودِ الله تعالَى وقد يرتب، فيقال: إن جوَّزنا في حقِّ الله تعالَى، ففي حقِّ الآدميِّ أولَى، وإن منعنا هناك، فههنا قولان؛ بناءً على المعنيين، إِن قلنا؛ المنع هناك؛ لأن الحدود يسعى في درئها، وندفع بالشبهة، فكذلك هاهنا، وإِن قلنا: لأن حدود الله تعالَى مبنيةٌ على المساهلة، فهذا المعنى مفقودٌ هاهنا، فيجوز، وإِذا أخذت مطلق العقوبة، وتركت الترتيب، قلتَ: في القضاء على الغائب في العقوبات ثلاثة أقوال؛ ثالثها الفرْقُ، وكذلك أورد صاحب الكتاب في "باب الشهادة" والخلاف في الشهادة على الشهادة مع كتاب القاضي إِلى القاضي هاهنا، وأعاد ذكر كتاب القاضي إلى القاضي مع الشهادة على الشهادة في بابها، ولو اقتصر على ذِكْر كلِّ واحد منهما في موضعه أو عَلَى ذكرهما جميعاً في موضع، لكَفَى، ولا فرق في كتاب القاضي إِلى القاضي بين "كتاب الحكم" و"كتاب النقل" في كلام الجُمْهُور، وفي "الإبانة" للفورانيِّ: أن الخلاف في "كتاب النقل" فأما "كتاب الحكم" فإنه يقبل في حقِّ اللهَ تعالَى، وفي حقِّ الآدميِّ قولاً واحداً والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الثَّانِي: لَوْ عُزِلَ القَاضِي بَعْدَ سَمَاعِ البَيِّنَةِ ثُمَّ وُلِّيَ وَجَبَ الاسْتِعَادَةُ، وَلوْ خَرَجَ مِنْ وِلاَيَتِهِ ثُمَّ عَادَ فَفِي الاسْتِعَادَةِ وَجْهَانِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إِذا سمع القاضي بينته، فعُزِلَ، ثم وُلِّي، لم يحكم بالسماع الأول؛

<<  <  ج: ص:  >  >>