للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والطَّرِيقَانِ كما ذَكَرْنَا من الطريقين فيما إذا غاب الوَلِيُّ الأَقْرَبُ، إلى ما دون مَسَافَةِ القَصْرِ أنه هل يكون ذلك كالغَيْبَةِ إلى مَسَافَةِ القَصْرِ؟ لكن الأَظْهَرَ هاهنا فيما فَوْقَ مَسَافَةِ العَدْوَى، قَبُولُ شَهَادَةِ الفَرْعِ؛ لأن الوَلِيَّ إذا رُوجِعَ، لم يحتج إلى الحُضُورِ، بل يوكل. والشاهد يَحْتَاجُ إلى الحُضُورِ، وأيضاً فالخَصْمُ قد يَهْربُ، فيفوت الحَقُّ، والنكاح لا يَفُوتُ غالباً بهذا القَدْرِ من التأخير.

وعِبَارَةُ جَمَاعَةٍ من الأصحاب: أن الغائب إن كان يَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ غَلِيظَةٌ في المجيء إلى مجلس الحُكْمِ، لم يُكَلَّفْ، وسُمِعَتْ شَهَادَةُ الفروع.

وهذا يجوز أن يُحْمَلَ على المَشَقَّةِ اللاَّحِقَةِ بالمجيء فيما فوق مَسَافَةِ العَدْوَى، ويجوز أن يجعل أَعَمَّ من ذلك، وإلى المَحَلِّ الأَوَّلِ، مَيْلُ ابن الصَّبَّاغ. وقوله في الكتاب: "أنه لا تُسْمَعُ شهادة الفرع ... " إلى آخره، يمكن أن يُعْلَّمَ بالواو؛ لأن ما نقله صاحب "التلخيص"، يسمعها وإن لم يوجد شيء من الحالات المستثناة (١).

وقوله: "أو غاب فَوْقَ مَسَافَةِ القصر"، كلمة "فوق"، لا حَاجَةَ إليها، بل مَسَافَةُ القَصْرِ كَمَا فَوْقَهَا في الحُكْمِ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَيْسَ عَلَى شُهُودِ الفَرْعِ تَزْكِيَةُ الأَصْلِ، لَكِنْ لَوْ زُكُّوا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمْ وَشَهَادَتُهُمْ بِقَوْلِ الفَرْعِ، وَلَبْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى صِدْقِ شُهُودِ الأَصْلِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: يجب على الفُرُوعِ تَسْمِيَةُ شُهُودِ الأصل، وتعريفهم؛ لأنه لاَ بُدَّ من مَعْرِفَةِ عَدَالَتِهِمْ. وما لم يعرفوا، لا (٢) تعرف عدالتهم، ولو وَصَفُوا الأُصُولَ بالعَدَالَةِ، ولم يُسَمُّوهُمْ؛ بأن قالوا: يشهد على شهادة عدلين، أو عُدُولٍ، لم يَجُزْ؛ لأن القَاضِيَ قد يعرفهم بالجرح (٣) لو سموا, ولأنه يَسُدُّ باب الجرح على الخَصْمِ، ولا يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ الفرْع تَزْكِيَةُ (٤) شهود الأصل، بل لهم إِطْلاَقُ الشَّهَادَةِ، ثم القاضي يبحث عن عَدَالَتِهِمْ.

ويُروَى عن أبي حَنيفَةَ ومَالِكٍ -رحمهما الله- اشتِرَاطُهَا، ونقله صاحب "التهذيب" وَجْهاً للأصحاب -رحمهم الله- أيضاً.

وفي "الجُرْجَانِيَّاتِ" لأبي العَبَّاسِ الرُّوَيانِيِّ تَفرِيعاً على مَا مَرَّ، أنه لو فَسَقَ شَاهِدُ الأَصْلِ، ثم تَابَ، لم يكن لِلْفَرْعِ أن يَشْهَدَ على شهادته إلا بإشهاد جديد (٥) أنه لا بد لِلْفُرُوعِ من أن يقولوا: أَشْهَدَنَا عَلى شَهَادَتِهِ، وكان عَدْلاً إلى اليَوْمِ، أو إلى أن مَاتَ،


(١) في أ: المنشأة.
(٢) في ز: ألا.
(٣) في ز: بالخرج.
(٤) في ز: تركته.
(٥) في ز: شهادة الآباء شهادة جديدة، حكاية وجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>