للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداها: في أن المستحقّ متى يَحْتَاح إلى المُرَافَعَةِ والدَّعْوَى، والحَقُّ إما عُقُوبَةٌ أو مَالٌ؛ إن كان عُقُوبَةً كالقِصَاصِ، وحَدِّ القَذْفِ، فَلاَ بُدَّ فيه من الرَّفْعِ إلى الحَاكِمِ، لعظم خَطَرِهِ، والاحتياط في [إثباته] (١) أَوَّلاً (٢)، واسْتِيفَائِهِ على ما تَقْتَضِيهِ السِّيَاسَةُ من وجوه الناس ثانياً. وإن كان مَالاً، فهو إما عَيْنٌ، أو دَيْنٌ؛ إن كان عَيْناً، فإن قَدَرَ على اسْتِرْدَادِهَا من غير تَحْرِيكِ فتنة، اسْتَقَلَّ به، وإلا فَلاَ بُدَّ من الرَّفْعِ (٣).

وأما الدَّيْن فإن كان مَنْ عليه مُقِرّاً غَيرَ مُمْتَنِعٍ من الأداء، فَيُطَالِبُهُ لِيُؤَدِّيَ، وليس له أن يَأْخُذَ شَيْئًا من مَالِهِ؛ لأن الخِيَارَ في تَعْيِينِ المال المَدْفُوعِ إلى مَنْ عليه، فإن خَالَفَ وَأَخَذَ شَيْئًا من مَالِهِ رَدَّهُ، فإن تَلِفَ عنده وَجَبَ ضَمَانُهُ، فإن اتَّفَقَا جاء خِلاَفُ التَّقَاصِّ، وإن لم يكن كذلك، فإمَّا أن يُمَكَّنَ من تحصيل الحَقِّ منه بالقَاضِي، أَوْ لا يُمَكَّنَ.

إن لم يمكن بأن كان مُنْكِراً ولا بَيِّنَةَ لصاحب الحَقِّ، فله أن يأخذ جِنْسَ حَقِّهِ من مَالِهِ، إن ظَفِرَ به، ولا يَأْخُذُ غَيْرَ الجِنْسِ، وهو ظَافِرٌ بالجنس.

وفي "التهذيب" وَجْهٌ: أنه يجوز، وإن لم يَجِدْ إلا غَيْرَ الجنس. حَكَى جَمَاعَةٌ من الأصحاب منهم الفَوْرَانِيُّ [والإمام] (٤)، وصاحب الكتاب في جواز


(١) سقط في: ز.
(٢) عن الماوردي أنه قال في باب أصول الفحل أن من وجب له على شخص تعزير أو حد قذف وكان في بادية بعيداً عن السلطان له استيفاؤه.
قال الشيخ ابن عبد السلام في قواعده: لو انفرد بحيث لا يرى فينبغي أن لا يمنع من القصاص ولا سيما إذا عجز عن إثباته.
وقول المصنف "فلا بد من الرفع إلى الحاكم" كان ينبغي أن يقول أو محكم لئلا يوهم أن المحكم ليس ذلك وهو كالقاضي في ذلك، وكذا لو استوفاه بدون رفع إلى الحاكم فإن القصاص يقع وإن أساء فيما فعل، ويستثنى من إطلاق الشيخ مسألتان:
إحداهما: إذا قتل من لا وارث له فلا يشترط فيه الدعوى عند قاض لأن الحق للمسلمين فتقبل فيه شهادة الحسبة ولا يحتاج إلى دعوى الحسبة بل في سماعها خلاف.
ثانيهما: قتل قاطع الطريق الذي لم يتب قبل القدرة عليه لا يشترط فيه دعوى لأنه لا يتوقف على طلب.
(٣) أطلق المصنف العين، وقال في القوت: الظاهر أن هذا الكلام إنما هو في ذي اليد العارية ومن في حكمها، أما لو كانت بيد أمين باذل لم يجز له أخذها بغير إذنه أو علمه ولا دخول منزله لأجلها وإن لم يخف ضرراً بل سبيله الطلب، وكذلك المبيع إن كان الثمن مؤجلاً أو مقبوضاً، والبائع باذل له في ذلك من الأذى بظن الذهاب ألا تراهم بوبوا باب أخذ الحق ممن يمنعه وجرى على ذلك في الخادم.
(٤) سقط في: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>