للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإِذا أَضَاف المُدَّعى إلى غَائِبٍ، ففي انْصِرَافِ الخُصُومَةِ عنه فيه وجهان: المذكور في "التهذيب"، و"الرقم"، وظاهر لفظ "المختصر": لا يَنْصَرِفُ؛ لأن المِلْكَ في يَدِهِ، والظاهر أنه له، فلا يُمَكَّنُ من صَرْفِ الخُصُومَةِ عن نفسه [بالإضافة] (١) إلى غَائِبٍ، قد يرجع، وقد لا يرجع [ويخالف] (٢) ما إذا أَضَافَ إلى صَبِيٍّ أو مَجْنُونٍ، فإن هناك يمكن مُخَاصَمَةُ وَليِّهِ.

وأظهرهما، وهو جَوَابُ أكثرهم: أنها تَنْصَرِفُ؛ لأن المَالَ بِظَاهِرِ الإقرار لغيره.

ألا ترى أن الغَائِبَ إذا عاد وصَدَّقَهُ، أَخَذَهُ، وإذا كان لغيره، وَجَبَ أن تكون الخُصُومَةُ معه، ثم عن أبي عَاصِمٍ العَبَّادِيِّ: أن الوجهين فيما إذا قَال: إنه لفلان، وَهُوَ في يَدِي بِإِجَازةٍ، أو إِعَارَةٍ، أو وَدِيعَةٍ، أو غيرها، فأما إذا اقْتَصَرَ على أنه ليس لي، وإنما هو لفلان، ولم تذكر ليده جِهَة، لم تَنْصَرِفِ الخُصُومَةُ عنه بِحَالٍ، والجمهور لم يُفَرِّقُوا بين الحالتين.

التفريع: إن قلنا: لا تَنْصَرِفُ الخُصُومَةُ عنه، نظر: إن لم يكن لِلْمُدِّعي بَيِّنَةٌ، فله تَحْلِيفُ المُدَّعَى عليه، على أنه لا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إليه، فإن نَكَلَ، حلف المدعى، وأخذ المَالَ من يَدِهِ، ثم إذا عاد الغَائِبُ، وصدق المقر، فيُردُّ المال عليه بلا حُجَّةٍ؛ لأن اليَدَ له بإقرار (٣) صاحب اليَدِ، والمدعى يَسْتَأْنِفُ الخُصُومَةَ معه، وإن أقام المُدَّعِي بَيِّنَةً على الحاضر، أخذ المَالَ أيضاً، ثم هو قَضَاءٌ على الحاضر، الذي تجري الخُصُومَةَ معه، أو على الغَائِبِ؛ لأن المَالَ له بِمُوجَبِ الإِقْرَارِ؟

فيه وجهان نَقَلَهُمَا صاحب "التهذيب" وغيره، المستمر (٤) منهما على الوَجْهِ الذي عليه، يُفَرَّعُ أنه قَضَاءٌ على الحاضر، حتى لا يَحْتَاجُ المدعى مع البَيِّنَةِ إلى اليَمِينِ، ويكتب القاضي في السِّجِلِّ، أنه قَضَى له بالبَيِّنَةِ، بعدما أَقَرَّ المُدَّعَى عَلَيْهِ، أنه لفلان الغَائِب؛ ليكون الغَائِبُ على حُجَّتهِ فإذا عاد، وأَقَامَ البَيِّنَةَ فيقضي (٥) له لترجح جانبه باليد، وإن لم يُقِمْ، أُقِرَّ المَالُ في يد المُدَّعِي، فإن الْتَمَسَ من القَاضِي، أن يزيد (٦) في التَّسْجِيلِ، أن الغَائِبَ قد قَدِمَ، ولم يأت بِبَيِّنَةٍ، أجابه إليه.

وإن قلنا: تَنْصَرِفُ الخُصُومَةُ عنه، فإن لم يكن لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، فيوقف الأَمْرُ إلى أن يحضر الغَائِبُ. وإن كانت له بَيِّنَةٌ، فيقضي له بالمَالِ. وهذا قَضَاءٌ على الغائب، أو على الحاضر الذي تَجْري الخُصُومَةُ معه.


(١) سقط في: أ.
(٢) سقط في: ز
(٣) في أ: فإقرار.
(٤) في ز: المسمى منها.
(٥) في ز: فيقتضي.
(٦) في ز: يؤيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>