للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّابِقَةِ، جاز؛ لأنه لم يسقط حَقّه عن اليمين (١).

فإن قال: أَبْرَأتُكَ عن اليمين، سقط حَقُّهُ من اليمين في هذه الدَّعْوَى، وله اسْتِئْنَافُ الدعوى، وتحليفه، ذكره في "التهذيب" (٢).

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الرُّكْنُ الرَّابعُ: النُّكُولُ وَلاَ يَثْبُتُ الحَقُّ به وَلَكِنْ تُرَدُّ علَى المُدَّعِي إِذَا تَمَّ نُكُولُهُ، وَيَتِمُّ بِأَنْ يَقُولَ لاَ أَحْلِفُ أَوْ أَنَا نَاكِلٌ أَوْ سَكَتَ وَقَالَ القَاضِي: قَضَيْتُ بالنُّكُولِ أَوْ قَالَ لِلمُدَّعِي: احْلِف، وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْرِضَ القَاضِي اليَمِينَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَيَشْرَحَ لَهُ حُكْم النُّكُول، فَإِنْ لَمْ يَشْرَحْ وَقَضَى بِالنُّكُولِ فَرَجَعَ وَقَالَ: لَمْ أَعْرِفْ حُكْم النُّكُولِ فَفِي جَوَازِ الحَلِفِ خِلاَفٌ، وَحَيْثُ مَنَعْنَاهُ فَلَوْ رَضِيَ المُدَّعِي بِيمِينِهِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا أنكر المُدَّعَى عليه، واسْتُحْلِفَ، فَنَكَلَ عن اليمين، لم يُقْضَ عليه بالنُّكُولِ، ولكن تُرَدُّ اليَمِينُ على المدعي، فإذا حَلَفَ قُضِيَ له. وعند أبي حَنِيْفَةَ، وأحمد: يُقْضَى على المدعى عليه بنُكُولِهِ. واستثنى أبو حنيفة القِصَاصَ في النَّفْسِ، ووافقنا مَالِكٌ على: أنَّه لا يُقْضَى بالنكول، لكن قال: ما يثبت بشَاهِدٍ وَيمِينٍ، يردّ فيه اليمين على المُدَّعِي، وما لا يثبت بشاهد ويمين، لا تُرَدُّ فيه اليَمِيَنُ؛ بل يُحْبَسُ المُدَّعَى عَلَيْهِ حتى يحلف أو يقر. واحتج الأَصْحَابُ بما رُوِيَ عن ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رَدَّ اليمين على طَالِبِ الحَقِّ.

[وعن عمر -رضي الله عنه- تحويلُ اليَمِينِ إلى المُدَّعِي،] (٣) قالوا: والنكول، كما يُحْتَمَلُ أن يكون تورعاً (٤) عن اليمين الكَاذِبَةِ، يُحْتَمَلُ أن يكون تَوَرُّعاً عن اليمين الصَّادِقَةِ؛ فلا يُقْضَى به مع التَّرَدُّدِ، والاحتمال إذا عرف ذلك، فلو لم يعرف المدعي


(١) قال في الروضة على نحو ما قاله الرافعي هنا، وتعقب فقال في الخادم: تبع في هذا بعض النسخ السقيمة، والثابت في نسخة معتمدة وإن امتنع من تحليفه بعد الدعوى، لكن الرافعي إنما أخذ هذا من التهذيب وعبارته، وهذا الكافي ولو امتنع المدعي من تحليفه ثم أراد تحليفه بالدعوى السابقة له ذلك، وهذا هو الصواب فكأنه سقط من نسخة الرافعي من تحليفه إلى تحليفه، ولهذا قال الشيخ في المهذب: فإن أمسك المدعي عن إحلاف المدعى عليه ثم أراد أن يحلفه بالدعوى المتقدمة، جاز. قال الفارقي: ولا فرق بين أن يكون في هذا المجلس أو غيره طال الفصل أم لا. انتهى.
(٢) قال في الخادم: قال ابن الرفعة ولعله مبني على مذهب العراقيين الذي سيذكره، أما إذا قلنا بمذهب المراوزة، أي: وهو الذي رجحه الرافعي فيظهر أنه لا يشرع له الدعوى ثانياً.
وقال الفارقي: إنما يملك الاستئناف في مجلس آخر، وفي هذا المجلس إذا تخلل بين الدعوى الأولى والثانية زمان يحصل به الفصل بينهما.
(٣) سقط في: أ.
(٤) في ز: تحرراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>