للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم من سَلَّمَ له ما ذَكَرَهُ في صورة النِّتَاجِ، [وفَرَّقُوا بينها وبين بَيِّنَتَي المِلْكِ المطلق؛ بأن بينة النِّتَاجِ] (١) تُثْبِتُ ابْتِدَاءَ المِلْكِ له، والتي هي أَسْبَقُ تَارُيخاً لا تثبت ابتداء المِلْكِ. فهذا التَّوْجِيهُ يقتضي اطِّرَادَ الطريقتين فيما إذا تَنَازَعَا ثَمَرَةً، أو حِنْطَةَ، فشهدت بَيِّنَةٌ بأنها حَدَثَتْ من شجرته أو بذره. ولا يَقْتَضِي جَرَيَانَ الثَّاييَةِ فيما إذا تَعَرَّضَتْ إحداهما للشِّرَاءِ، وسائر الأسباب؛ فإنها لا تُوجِبُ ابتِدَاءَ المِلْكِ.

واعْلَمْ أن المَسْأَلَةَ من أصلها مَفْرُوضَةٌ فيما إذا كان المُدَّعَى في يَدِ ثَالِثٍ. فأما إذا كان في يَدِ أحدهما وقامت بَيِّنَتَانِ مُخْتَلِفَتَا التَّاريِخِ، فإن كانت بَيِّنَةُ الداخل أَسْبَقَ تَارِيخاً، فهو المُقَدَّمُ لا مَحَالَةَ. وإن كانت بَيِّنَةُ الآخَرِ أسْبَقَ تاريخاً فإن لم نجعل سَبْقَ التَّاريخِ مُرَجِّحاً، فكذلك يُقَدَّمُ الداخل. وإن جَعَلْنَاهُ مُرَجّحاً، فثلاثة أوجه:

أصحها: ترجيح اليد؛ لأن البَيِّنَتَيْنِ تَتَسَاوَيَانِ في إِثْبَاتِ المِلْكِ في الحال، فَيَتَسَاقَطَانِ فيه، ويَبْقَى من أَحَدِ الطرفين اليَدُ، ومن الآخر إِثْبَاتُ المِلْكِ السَّابِقِ.

واليد أقوى من الشَّهَادَةِ على المِلْكِ السابق؛ ألا ترى أنها لا تُزَالُ بها؟

والثاني: تَرْجِيحُ السَّبْقِ؛ لأن مع أَحَدِهِمَا تَرْجِيحاً من جِهَةِ البَيَّنَةِ، وسع الثاني تَرْجِيحاً من جهة اليَدِ، والبَيِّنَةُ تَتَقَدَّمُ على اليَدِ، فكذلك التَّرْجِيحُ من جهة البَيِّنَةِ مقدم (٢) على التَّرْجِيحِ من جهة اليَدِ.

والثالث: أنهما يَتَسَاوَيانِ، لِتَعَارُضِ المَعْنيَيْنِ.

وقوله في الكتاب: "ففي تَقْدِيم السَّابِقِ قَوْلاَنِ". يجوز أن يُعَلَّمَ لفظ القولين منه بالوَاوِ للطريقة القَاطِعَةِ.

وقوله في تَعَارُضِ البَيِّنَتَيْنِ؛ المطلقة، والمؤرخة، والمطلقة، والمضافة إلى النتاج، والشراء: قولان مرتبان، وأَوْلَى بألاَّ يرجح المُقَيّد" القولان في المُطْلَقَةِ والمُؤَرَّخَةِ، وترتيبهما ظَاهِرٌ، وهذا الإيراد، وما ذكرناه من الطَّرِيقَتَيْنِ في هذه الصُّورَةِ، يرجعان إلى مَعْنَى وَاحِدٍ. وأما في المُطْلَقَةِ والمضافة إلى الشِّرَاءِ والنِّتَاجِ، فالتَّرْتِيبُ على ما ذكره. لم يَتَعَرَّضْ له الأصحاب -رحمهم الله-.

وإن فُرِضَ تَرْتِيبٌ، فهو بالعَكْس فيما ذكره، ألا تَرَى أن في صُورَةِ النِّتَاج طَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ بالتقديم (٣)؟ فليحمل قوله: "وأَوْلَى بأن لا ترجيح للمقيد" (٤) على المُقَيَّدِ بزِيَادَةِ التَّارِيخِ دون المُقَيَّدِ بالإضافة إلى السَّبَبِ.


(١) سقط في: أ.
(٢) في ز: يتقدم.
(٣) في ز: بالقديم.
(٤) في ز: المقيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>