للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: سبق في "الوصايا": أن التبرعات في مرض الموت، تُعْتَبَرُ من الثُلُثِ، وأن العتق من التبرعات، وقد يَنْدَفِعُ [لذلك] (١) وُقُوعُهُ في المرض وإنما يُعْتَبَرُ الثُّلُثُ بعد حط قدر الدَّيْنِ، فلو (٢) كان الدين مُسْتَغْرِقاً لم يُعْتَقْ منه شيء وسنعود إلى هذا.

وإذا عرف ذلك ففي الفصل مسألتان:

إِحْدَاهُمَا: إذا أعتق عبداً لا مال له غيره؛ لم يُعْتَقْ منه إلاَّ ثُلُثهُ وإن مات هذا العبد بعد موت السيد مات [وثلثه حراً] (٣)، وإن مَاتَ قبل موت السيد ففيه ثلاثة أَوْجُهٍ:

أَحدها: أن يموت رقيقاً كُلُّهُ؛ لأن ما يُعْتَقُ يَنْبَغِي أن يَحْصُلَ للورثة مِثْلاَهُ وهاهنا لم يَحْصُلْ لهم شيء (٤)، ويؤثر عن الشيخ أَبِي زَيْدٍ -أنه قال: أَجَبْتُ به في مجلس الشيخ أَبِي بَكْرِ المَحْمُودِيِّ فَرَضِيَهُ وَحَمَدَنِي عليه.

والثاني: أنه يموت حراً كُلُّهُ؛ لأن ما يَهْلَكُ في حياة المُوَرِّثِ لا حق فيه للورثة؛ حتى يَرُدَّ تَبَرُّعَهُ لحقهم، ولأنه لا فائدة في إِرْقَاقِ شيء منه فلا (٥) يحصل للورثة منه شيء.

والثَّالِثُ -وبه قال القَفَّالُ: أنه يموت ثُلُثُهُ حراً، وُثُلُثَاهُ رقيقاً كما لو مات بعد موت السيد؛ ولأنه لو عَاشَ عَاشَ على الرِّقِّ والحرية فإذا مات مات عليهما.

والأصح عند الصَّيْدَلاَنِيِّ الوجه الأول، ولم يورد في "التَّهْذِيبِ" إلاَّ الوجهين الآخرين، وبناهما على أنه إذا زاد التَّبَرُّعُ على الثُّلُثِ، وأجازه الوارث؛ فهو تَنْفِيذٌ لما فعله المورث أو ابتداء عَطِيَّةٍ، وتمليك من الوارث؛ إن قلنا بالأول، فيموت حراً؛ لأن ما فعله المورث تنفيذ، وإن قلنا بالثاني، فلا؛ لأن تَبَرُّعَهُ غَيْرُ نَافِذٍ فيما زاد على الثُّلُثِ.

وتظهر فائدة الخلاف في شيئين:

أحدهما: وهو المذكور في الكتاب: إذا وَهَبَ في مرض الموت عبداً لا مال له غيره وَأَقْبَضَهُ، ومات العبد قبل موت السيد فإن قلنا في مَسْأَلَةِ العتق يموت رقيقاً، فها هنا يموتُ على مِلْكِ الوَاهِبِ، وعليه مَؤُنَةُ تجهيزه، وإن قلنا يَمُوتُ حراً يموت هاهنا على مِلْكِ المَوْهُوبِ منه وعلَيه المُؤْنَةُ، وإن قُلْنَا بالوجه الثالث؛ وُزِّعَتِ المَؤُنَةُ عليهما.

والثاني: إذا كان لهذا العبد وَلَدٌ من مُعْتَقَةٍ كان وَلاَءُ الولد لموالي أُمِّهِ فإن قلنا: إنه


(١) في ز: كذلك.
(٢) في أ: فإن.
(٣) في ز: حراً ثلثه.
(٤) هذا مخالف لما ذكره الشيخ في باب الوصية من أن الصحيح أنه يموت حراً. قال في الخادم: وهو الصواب فإن القاضي ذكر أن أبا سهل الأبنوردي حكاه عن نص الشافعي قال يموت حراً كله.
(٥) في ز: ولا.

<<  <  ج: ص:  >  >>