للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في الكتابة الفَاسِدَةِ مَحْمُولٌ على المُعَاوَضَةِ، ولذلك نقول بأن السَّيِّدَ والعبد يَتَرَاجَعَانِ على ما سيأتي. وقضية المُعَاوَضَةِ أن يعتق كل واحد منهم بأداء ما عليه.

وأَقْيَسُهُمَا -وهو الذي صَحَّحَهُ القاضي ابْنُ كَجٍّ، والقَفَّالُ وغيرهما-: أنَّه لا يُعْتَقُ؛ لأن الصفقة (١) لم تكمل، فَأَشْبَهَ ما إذا قال: إذا دَخَلْتُمُ الدار، فأنتم أَحْرَارٌ، فدخل بعضهم لا يعتقُ، ثم إن عتقَ يرجع على السَّيِّدِ بما أَدَّى، ويرجع السَّيِّدُ عليه بقيمته، والاعتبار بقيمة يَوْمَ العتق؛ لأن سَلْطَنَةَ السَّيِّدِ باقية إلى وَقْتِ العتق [لتمكنه] (٢) من فَسْخِ الكتابة الفَاسِدَةِ.

وإن قلنا: إنها صَحِيحَةٌ، وهو الأَظْهَرُ، وبه قال أبو حَنِيْفَةَ ومالك، فَيُوَزَّع المَالُ المُسَمَّى على العَبِيدِ. وكيف يُوَزَّعُ؟

فيه قولان:

أصحهما: وقَطَعَ به قَاطِعُونَ أنَّه يُوَزَّع على قيمتهم، فإذا كانت قِيمَةُ أحدهم مِائَةً، وقيمة الثاني ماثتان، وقيمة الثالث ثَلاَثُماثة، فعلى الأَوَّلِ سُدُسُ المسَمَّى، وعلى الثاني ثُلُثُهُ، وعلى الثالث نِصْفُهُ، والاعتبار بيوم الكتابة؛ لأن سَلْطَنَةَ السيد تَزُولُ يومئذ.

والثاني: نقله الصَّيْدَلاَنِيُّ والقاضي الحسين وغيرهما -رحمهم الله- أنَّه يُوَزَّعُ على عَدَدِ رُؤُسِهِمْ، وأجرى هذا القول في عِوَضِ الخُلْعِ والصَّدَاقِ، وقد ذكرناه هناك. وذكر الإِمام: أنَّه [لو] (٣) طرده طَارِدٌ على ضعفه في البيعَ لم يَبْعُدْ. وإن قَضِيَّةَ الحكم بصحة العُقُودِ كلها لارتفاع الجَهَالَةِ والتَّرَدُّدِ، واختلاف الطُّرُقِ إنما تجيء إذا حكمنا بالتَّوْزِيع على القِيَم؛ لأن ما على كل واحد منهم مَجْهُولَ عند العَقْدِ، ثم كل واحد من العبيد يُؤَدِّي ما عَليه إما على التَّفَاضُلِ أو التَّسَاوِي في النَّجْمَينِ، فإذا أَدَّى ما عليه عتقَ، ولم يتوقف عِتقُهُ على أَدَاءِ غيره، وإن مات بعضهم أو عَجَزَ، فهو رَقِيقٌ وغيره يُعْتَقُ بِأَدَاءِ ما عليه، ولا ينظر إلى أن السَّيِّدَ عَلَّقَ عِتْقَهُمْ بأداء جميعهم، حيث قال: فإذا أديتم، فأنتم أَحْرَار، ولأن الكِتَابَةَ الصحيحة يَغْلِبُ فيها حُكمُ المُعَاوَضَةِ والملك إذا أَبْرَأ السَّيِّدُ المُكَاتَبَ عُتِقَ، وإذا مات لم تَبْطُلِ الكتابة، بخلاف التَّعْلِيقَاتِ.

وعن أبي حَنِيْفَةَ ومالك -رحمهما الله- أنَّه لا يُعْتَقُ بعضهم بأدَاءِ ما عليه، وإنما يُعْتَقُونَ معاً إذا أَدَّوْا جميع المال.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الرُّكْنُ الثَّالِثُ: السَّيِّدُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفاً (ح) أَهْلاً لِلتَّبَرُّعِ فَلاَ


(١) في ز: الصفة.
(٢) في ز: لثلثه.
(٣) سقط في: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>