للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثاني: القَطْعُ بالمَنْعِ، وبه قال القاضي أَبُو الطَّيِّبِ؛ لأنا لو جَوَّزنَا ذلك لَزِمَ أن ينتفع أَحَدُهُمَا بِمَالِ الآخر؛ لأنه إذا اسْتَوَى المِلْكَانِ، ودفع إلى أحدهما مائة، وإلى الآخر مائتين فقد ترتفع الكِتَابَةُ بالعَجْزِ، فيحتاج الأَوَّلُ إلى أن يرجع على الثاني بخمسين، ويكون الثَّانِي قد انْتَفَعَ بها مُدَّةَ بقائها في يَدِهِ من غَيْرِ استحقاق. ولا يشترط اسْتِوَاءُ الشريكين في مِلْكِ العَبْدِ الذي يُكَاتِبَانِهِ.

وفي "الكافي" للروياني وَجْهٌ ضعيف ولْيُعَلَمْ في الكتاب قوله: "فيما إذا كاتب أحد الشريكين بغير إِذْنِ الآخر، فَالمَذْهَبُ أنَّه باطل" بالأَلِفِ؛ لأن أحمد يُصَحِّحُ هذه الكِتَابَةَ.

وفي "شرح المُوَفَّقِ بن طاهر" عن أبي حَنِيْفَةَ مِثْلُهُ، ولذلك حكى عنه فيما إذا كَاتَبَ بَعْضَ عَبِيدِهِ، والله أعلم.

بقي الكلام في مَسْأَلَةٍ؛ وهي أن المَشْهُورَ أنَّه لا يجوز صَرْفُ الصَّدَقَةِ إلى مَنْ بعضه رَقِيقٌ؛ لما ذكرنا أن ما يأخذه ينقسم إلى القَدْرِ الرَّقِيقِ وغيره.

قال الإِمَامُ: ورأيت لِبَعْضِ الأصحاب ما يَدُلُّ على تَجْوِيزِهِ، وقد يمنع هذا القائل الانْقِسَامَ، ويقول: تَخْتَصُّ الصَّدَقَة بِالقَدْرِ المكاتب؛ لأنه لا يجوز أن تكون الصَّدَقَة كَسْبَ رَقِيقٍ.

وفي "الكافي" للقاضي الروياني عن بعضهم: إطْلاَقُ قولين وفي المَسأَلَةِ تفصيل حَسَنٌ، وإلى ترجيحه يميل (١) إيراده، وهو إن لم يكن بينهما مُهَايَأَةٌ، فلا يَجُوزُ أن يأخذ من سَهْمِ الصدقات، وإن كان بينهما مُهَايَأَةٌ، فله أخذه في يوم نفسه خَاصَّةً.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَرْعٌ: لَوْ كَاتَبَاهُ ثُمَّ عَجَزَ أحَدُهُمَا وَأَرَادَ الثَّانِي إِبْقَاءَ الكِتَابَةِ في نَصِيبهُ بِالإِنْظَارِ فَقَوْلاَنِ وَأَوْلَى بِالجَوَازِ؛ لِقُوَّةِ الدَّوَامِ، وَلَوْ كَاتَبَ وَاحِدٌ عَبْداً ثُمَّ خَلَّفَ ابْنَيْنِ وَعَجَّزَهُ أَحَدُهُمَا وَأَنْظَرَهُ الآخَرْ فَهَذَا أَوْلَى بِالمَنْعِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا اجتمع الشَّرِيكَانِ على كتابة العَبْدِ، ثم عجز، فَعَجَّزَهُ أحدهما، وفَسَخَ الكِتَابَةَ، وأراد الآخَرُ إِنْظَارَهُ وإبقاء الكتابة، فَأَظْهَرُ الطريقين أنَّه كَابْتِدَاءِ الكِتَابَةِ، فلا يجوز إبْقَاؤُهَا من غَيْرِ إِذْنِ الشَّريكِ، وفي إبقائها بإذْنِهِ قولان؛ وهل يكون التَّوَافُقُ على ابْتِدَاءِ الكِتَابَةِ إِذْناً في إبقائها؟ يُخَرَّجُ ممَّا أَوْرَدَهُ الإِمَامُ فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنهما إذا تَوَافَقَا على الكِتَابَةِ، فقد رضيا بأحكامها؛ ومن أَحْكَامِهَا جَوَازُ الإِنْظَارِ عند العَجْزِ.


(١) في أ: يمثل.

<<  <  ج: ص:  >  >>