للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُقَدِّمْ بَعْضَهَا على بعضِ؛ لأن جَمِيعَ الدُّيُونِ مُتَعَلِّقَةٌ بما في يَدِهِ؛ ألا ترى أن ما انْفَرَدَ منها يَتَعَلَّقُ به؟ وهذا ما أوْرَدَهُ في "التهذيب"، ويحكى عن أبي إِسْحَاقَ، واختيار صاحب "التقريب".

وأصحهما: وبه قال ابن أبي هُرَيْرَةَ، والقَفَّالُ، وهو الذي أَوْرَدَهُ القاضي ابن كجٍّ -أنه يُقَدِّمُ دَيْنَ المُعَامَلَةِ؛ لأنه يَتَعَلَّقُ بما في بَدِهِ لا غير، ولِأَرْشِ الجناية مُتَعَلّقٌ آخر، وهو الرَّقَبَةُ، وكذلك حَقُّ السَّيِّدِ بتقدير العَجْزِ يعود إلى الرَّقَبَةِ، ويسوى بين الأَثْمَانِ والقُرُوضِ، ثم يُقَدِّمُ أَرْشَ الجناية على النجوم؛ لأن الأَرْشَ مُسْتَقِرٌّ، والنجوم عُرْضَةُ السُّقُوطِ، إذا شاء المُكَاتَبُ، ولأن حَقَّ المجني عليه يُقَدَّمُ على حَقِّ المالك في القِنِّ؛ فكذلك في المكَاتَبِ.

وعن القاضي أبي الطَّيِّبِ: أنه لا يَخْتَلِفُ الأَصْحَابُ في أن ذلك مذهب الشَّافعي -رضي الله عنه- وحَمَلُوا ما في "المختصر" على ما إذا رَضِيَا جَمِيعاً بالتَّسْوِية وقوله في الكتاب: "إِذا ضاق عن جميعهم" يشير إلى أن مَوْضِعَ الخِلاَفِ ما إذا لم يَفِ ما في يَدِهِ بالدُّيُونِ جميعاً، فإن وَفَى فيؤدى (١) الكل.

وقوله: [هنا] (٢) كان قد حُجِرَ عليه بالْتِمَاسِ الغُرَمَاءِ"؛ يعني المُسْتَحِقِّينَ للديون سوى السيد؛ فإنه صور فيما إذا كانت الديون للأجانب.

وقد ذكر في "الشامل" أنه لا يُحْجَرُ عليه بالْتِمَاسِ السيد النُّجُومَ؛ لأنها غير مُسْتَقِرَّةٍ، والعَبْدُ مُتَمَكّنٌ من إسْقَاطِهَا. ثم في الفصل صُوَرٌ:

إحداها: إذا عَجَّزَ المُكَاتَبُ نَفْسَهُ، سقطت النُّجُومُ، وفي دَيْنِ المعاملة للسيد وَجْهَانِ، الذي ذكره الإِمَامُ منهما: أنه يسقط أيضاً، ويَصْرِفُ ما في يَدِهِ إلى دُيُونِ الأجانب من المُعَامَلاَتِ والأَرْشِ، فإن لم يَفِ بالنَّوْعَيْنِ؛ ففيه ثلاثة أوجه:

أرجحها: عند الشيخ أبي مُحَمَّدٍ، وصاحب الكتاب وغيرهما -رحمهم الله- أنه يُسَوْى بينهما.

والثاني: تقديم دَيْنِ المُعَامَلَةِ؛ لأن لِلأَرْشَ مُتَعَلِّقاً آخَرَ، وهو الرَّقَبَةُ، وقضية ما قدمنا تَرْجِيحُ الوَجْهِ، وقد وفي الإِمام بهذه القضية (٣).

والثالث: عن صاحب "التقريب": تقديم دَيْنِ الأَرْشِ؛ لأنها تَثبُتُ من غير رضا أَرْبَابِهَا، وفي دُيُونِ المُعَامَلَةِ قد رَضِيَ أَرْبَابُهَا بِذِمَّتِهِ.


(١) في أ: يؤدي.
(٢) سقط في: ز.
(٣) في أ: الصفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>