للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: قد تعرّض له في الكتاب أن يقطع بموت من تلك الجراحة فأما إذا توقع بقاؤه فمات بعد انقضاء القتال فليس بشهيد بلا خلاف.

والثاني: أن تبقّى فيه حْيَاة مستقرّة، ثم يموت بعد إنقضاء القتال، فأما إذا انقضى القتال وليس به إلا حركة المَذْبُوح، فهو شهيد بلا خلاف، وهذه المسائل الأربع بأسرها مذكورة في الكِتَاب، وقد تبيَّن بما ذكرناه أن الأظهر فيها جميعاً انتفاء الشَّهادة واعتبار المَعاني الثلاثة في الضابط. وأعلم قوله "في وقت قيام القتال" بالحاء والميم؛ لأنهما لا يعتبران قيام القتال، وإنما مذهبهما ما قدمناه.

وقوله: "ففي الكل قولان" فيه إثبات قولين في الصور الأربع، انهما مشهوران في الأولى والرابعة، وأما الثّانية والثّالثة فلم تر للمعظم فيهما حكاية القولين، وإنما ذكر من الخلاف وجهين ويجوز أن يعلم قوله: "قولان" بالواو؛ لأن في "النهاية" حكاية طريقة في الصورة الرابعة مفصلة، وهي أنه إن مات قريباً ففيه قولان، وإن بقي أياماً ثم مات فليس بشهيد قطعاً، والذي في الكتاب إثبات قولين على الإطلاق.

وقوله: "منشأهما التردد في أن هذه الأوصاف هل هي مؤثرة أم لا" يعني الأوصاف الثلاثة المذكورة في الضابط هل هي مؤثرة في موضع الإثبات أم لا؟ وليس في هذا القدر من التَّوجيه كثير فائدة، فإن الفقيه لا يشك في أنّا إذا أبطلنا حكماً بأمور، واختلفنا في بقاء ذلك الحُكْم مع ذوات بعض الأمور فقد اختلفا في تأثيره، وإنما المهمُّ النَّظر في أنه لم يعتبر أو يلغى.

النوع الثاني من الشهداء: العارون عن الأوصاف المذكورة جميعاً، فهم كسائر الموتى يغسلون ويصلى عليهم، وإن ورد لفظ الشهادة فيهم، كالمَبْطُون والغَرِيب والغَرِيق والميت عشقاً والميتة طلقاً، وكذا الذي قتله ظلماً مسلم أو آدمي أو باغ في غير القتال حكمه حكم سائر الموتى.

وبه قال مالك، وهو رواية عن أحمد خلافاً لأبي حنيفة، حيث قال: كل من قتل ظلماً قتلاً يوجب القصاص فهو شهيد، وإنْ وجب به المال فلا يخرج من ذلك أن المقتول بالمُثقّلِ ليس بشهيد فيما نحن فيه، ولم يعتبر في القِتَال ذلك، بل أثبت حكم الشّهادة سواء قتل بالمُثَقّلِ أو بالمُحَدَّد. وقال أحمد في رواية: كل مقتول ظلماً فهو شهيد. لنا أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- غسل، وصلي عليه (١)، وكذلك


(١) أخرجه مالك في الموطأ والشافعي عنه ورواه البيهقى، ورواه الحاكم من طريق معاوية بن عمر وعن زائدة عن ليث عن نافع عن ابن عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>