للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاعتدال، قاله في المعجم الوسيط.

* ما يؤخذ من الحديث:

١ - هذا الحديث الشريف من أحسن الأحاديث الواعظة، فهو أبلغ حديث لقطع الأمل، وتذكر الأجل، والحافز على العمل.

٢ - يقول: "كن في الدنيا كأنَّك غريب"؛ فإن الغريب لا يركن إلى دار الغربة، ولا يطمئن بها، ولا يستقر فيها, ولا تسكن نفسه إليها؛ فلا ينافس أهلها في حطامها، ويزاحمهم على رغباتهم، فنفسه مشتاقة إلى وطنه، لا تحدثه إلاَّ فيه، فهو عازمٌ على السفر، مزمع على الرِّحلة، جازم على النقلة، وهو في بلد الغربة غير عابىءٍ بأهله؛ فلا يأنف أنْ يُرى على خلاف عادة أهله في الملبس والهيئة.

فالحديث فيه الحض على قلَّة المخالطة، والترغيب في الزهد في الدنيا.

قال أبو الحسن: إنَّ الغريب قليل الانبساط إلى النَّاس، مستوحشٌ منهم، إذ لا يكاد يمر بمن لا يعرفه يأنس به، ويكثر من مخالطته فهو ذليلٌ خائف.

٣ - قوله: "أو عابر سبيل" عابر الطريق مسافر لا يقرّ له قرار، ولا تهنأ له دار، حتَّى يصل إلى داره دار القرار، ومجمع الأحبة والأخيار.

قال النووي: لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنًا, ولا تحدث نفسك بالبقاء فيها, ولا تتعلَّق منها إلاَّ بما يتعلَّق الغريب به في وطنه، الَّذي يريد الذهاب منه إلى أهله، وهذا معنى قول سلمان الفارسي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "أَمرنِي خليلي -صلى الله عليه وسلم- أنْ لا أتخذ من الدنيا إلاَّ كمتاع راكب".

ففي الحديث دليلٌ على قصر الأمل، والاستعداد للموت.

وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- في خطبته: إذا لم تكن الدنيا دار إقامة ولا وطنًا، فينبغي للمؤمن أنْ يكون حاله على أمرين:

إمَّا أنْ يكون فيها غريبًا في بلد غربة، همه التزود للرجوع إلى وطنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>