للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبدًا لله، وإذًا فمخالفةُ الهوَى ليستْ من المشقَّات المعتبرة في التكليف، وإنْ كانت شاقَّةً في مجاري العادات؛ إذ لو كانت معتبرةً حتَّى يشرع التخفيف لأجل ذلك، لكان ذلك نقضًا لما وُضِعَتِ الشريعةُ له؛ وذلك باطل.

[المسألة السادسة: الاعتدال في التكاليف والدعوة إلى امتثالها]

الشريعةُ جاريةٌ في التكليف على الطريق الوسط، الآخذ من الطرفَيْن بقِسْطٍ لا ميل فيه، الدَّاخلِ تحت كَسْب العبد من غير مشقَّةٍ عليه ولا انحلال؛ كتكليف الصلاة والزكاة والصيام والحَج ابتداءً من غير سبب ظاهر، أو لسببٍ يرجع إلى عدم العلم؛ كقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢١٩]، وقوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: ٢١٩]، وأشباه ذلك.

فإِنْ كان التشريعُ لأجلِ انحراف المكلَّف إلى أحد الطرفَيْن، كان التشريع رادًّا إلى الوسط؛ لكن على وجهٍ يميل فيه إلى الجانب الآخر؛ ليحصُلَ الاعتدال فيه؛ فعلى الطبيب الرفيق حَمْلُ المريض على ما فيه صلاحُهُ بحسب حاله، حتَّى إذا استقلَّتْ صحَّته، هيأ له له طريقًا في التدبير وسطًا لائقًا به في جميع أحواله.

فإذا نظرت في كليَّة شرعية، فتأملها تجدها حاملةً على التوسُّط، فإنْ رأيت ميلاً إلى جهة طرفٍ من الأطراف، فذلك في مقابلة واقع أو متوقع في الطرف الآخر:

فطرف التشديد وعامَّةُ ما يكون في التخويف والترهيب يُؤْتَى به في مقابلة من غلب عليه الانحلال في الدِّين.

وطرَفُ التَّخفيفِ وعامَّةُ ما يكون في الترجية والترغيب والترخيص يُؤْتَى به في مقابلة مَنْ غَلَبَ عليه الحرجُ الشديد.

فإذا لم يكنْ هذا ولا ذاك، رأيت التوسُّط لائحًا، ومسلَكَ الاعتدال واضحًا، وهو الأصلُ الذي يُرْجَعُ إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>