للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[العادة إذا قصد بالإتيان بها وجه الله]

ومن المعلوم: أنَّ البناء على المقاصد الأصليَّة يصيِّر تصرُّفات المكلَّف كلها عبادات، سواءٌ كانت من قبيل العبادات أو العادات؛ لأنَّ المكلَّف إذا فهم مراد الشَّارع من قيام أحوال الدنيا، وأخذ في العمل على مقتضى ما فهم، فهو إنَّما يعمل من حيثُ طُلِبَ منه العمل، ويترك إذا طُلِبَ منه الترك، فهو أبدًا في إعانة الخلق على ما هم عليه من إقامة المصالح باليد واللسان والقلب، فأمَّا باليد: ففي وجوه الإعانات، وأمَّا باللسان: فبالوعظ، والتذكير بالله، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وبالدعاء، وبالقلب: لا يضمر لهم شرًّا؛ بل يعتقد لهم الخير ويعرِّفهم بأحسن أوصافهم ولو بمجرَّد الإِسلام، ويَحْتَقِرُ نفسه بالنسبة إليهم،،، إلى غير ذلك من الأمور القلبية المتعلِّقة بالعباد.

فالعامل بالمقاصد الأصلية: عاملٌ في هذه الأمور في نفسه؛ امتثالاً لأمر ربه، واقتداءً بنبيه -صلى الله عليه وسلم-، فكيف لا تكون تصرُّفات من هذه سبيلُهُ عبادةً كلها؛ بخلاف من كان عاملاً على حظِّه، فإنَّه إنَّما يلتفت إلى حظِّه، أو ما كان طريقًا إلى حظِّه، وهذا ليس بعبادة على الإطلاق، بل عاملٌ في مباح إنْ لم يُخِلّ بحقِّ الله أو بحقِّ غيره فيه، والمباحُ لا يُتَعَبَّد إلى الله به.

لا يكون العمل صحيحًا أو مقبولاً إلاَّ إِذا رَاعَى وجه الله في القصد التابع:

أما المقصدُ الأوَّل: إذا تحرَّاه المكلَّفُ يتضمَّن القصد إلى كلِّ ما قصده الشَّارع في العمل من حصول مصلحة أو درء مفسدة؛ فإنَّ العامل به إنَّما قصد تلبية أمر الشَّارع، إمَّا بعد فهم ما قصد، وإمَّا لمجرَّد امتثال الأمر؛ وعلى كلِّ تقدير: فهو قاصدٌ ما قصده الشَّارع.

وإذا ثبت أنَّ قصد الشَّارع أعمُّ المقاصد وأوَّلها وَأَوْلاَهَا، وأنَّه نورٌ صِرْفٌ لا يشوبه غرضٌ ولا حظ، كان المتلقِّي له على هذا الوجه قد أخذه وافيًا كاملاً غير منسوبٍ ولا قاصرٍ عن مراد الشَّارع؛ فهو حريٌّ أنْ يترتَّب الثواب فيه

<<  <  ج: ص:  >  >>