للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسن إلى قبح، وبالعكس، مثل: كشف الرأس؛ فإنَّه يختلف بحسب البقاع في المواقع؛ فهو لذوي المروءات قبيحٌ في البلاد الشرقية، وغيرُ قبيح في البلاد الغربية؛ فالحكم الشرعي يختلف باختلاف ذلك.

واعلم: أنَّ ما جرى ذكره هنا من اختلافِ الأحكامِ عند اختلافِ العوائد ليس في الحقيقةِ اختلافًا في أصل الخطاب؛ لأنَّ الشرع موضوع على أنَّه دائم أبدًا، وإنما معنى الاختلاف أنَّ العوائد إذا اختلفَتْ، رَجعَتْ كلُّ عادة إلى أصل شرعيٍّ يحكم به عليها.

[الأصل في العبادات التعبد، وفي العادات التعليل]

الأصل في العبادات: التعبُّدُ، دون الالتفاتِ إلى المعاني؛ والدليل على ذلك أمور:

منها: الاستقراء؛ فإنا وجدنا الطهارة لا تتعدَّى محل موجبها، وكذلك الصلواتُ خُصَّتْ بأفعالٍ مخصوصة إن خرجَتْ عنها لم تكن عبادة، وأنَّ الذكر المخصوصَ في هيئةٍ ما مطلوبٌ، وفي هيئة أخرى غيرُ مطلوب، وأنَّ الطهارة من الحدثِ مخصوصةٌ بالماء الطهور وإن أمكنتِ النظافةُ بغيره.

ومنها: أنَّ وجود التعبُّدات لم يهتد إليها العقلاءُ اهتداءهم لوجوه معاني العادات، فقد رأيتُ الغالبَ فيها الضلال، ومن ثمَّ حصل التغيير فيما بقي من الشرائع المتقدِّمة، وهذا ما يَدُلُّ على أنَّ العقل لا يستقلُّ بدرك معانيها ولا بوصفها، فافتقرنا إلى الشريعة في ذلك.

ولما كان الأمر كذلك، عَذَرَ اللهُ أهلَ الفترات في عدم اهتدائهم؛ قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} [الإسراء: ١٥].

وإذا ثبت هذا، لم يكن بُدٌّ من الرجوع في هذا الباب إلا مجرَّد ما حده الشارع، وهو معنى التعبد، ولذلك كان الواقف مع مجرَّد الاتباع فيه أولى بالصواب وأجدى على طريقة السلف الصالح.

<<  <  ج: ص:  >  >>