للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصحيح أن يهجرها كيف شاء بما يناسب حالها، ومما يكون به الزجر والردع عن النشوز (١)، لكن ينبغي على الزوج أن لا يهجر زوجته إلا في البيت لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه: " ... ولا تهجر إلا في البيت" (٢) لئلا يظهر الهجر أمام الغرباء، إذ لو هجرها أمام الغرباء كان في ذلك إهانة لها مما يزيد المشكلة وقد يزيدها نشوزًا، فمراعاة هذا الأدب مما يساعد على عودة الوئام بين الزوجين.

لكن ... إن رأى في هجرها خارج البيت مصلحة شرعية فله أن يفعل، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه شهرًا في غير بيوتهن (٣).

وينبغي عليه -كذلك- أن لا يظهر الهجر أمام أطفاله، فإنه يورث في نفوسهم شرًّا وفسادًا.

* مدة الهجر:

للعلماء في أقصى مدة الهجر قولان (٤):

الأول: مدة الهجر شهر وله أن يزيد إلى أربعة أشهر: وهو مذهب المالكية، ومستندهم أن النبي صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهرًا، وأن مدة الإيلاء إلى أربعة أشهر -كما سيأتي-.

الثاني: له أن يهجر ما شاء حتى ترجع: وهو مذهب الجمهور: الحنفية والشافعية والحنابلة ويُستدل لهم بأن الآية -في الهجر- مطلقة غير مقيدة بمدة، والأصل بقاء المطلق على إطلاقه حتى يدلَّ الدليل على تقييده.

وأما القياس على الإيلاء فقياس مع الفرق، لأن الهجر في النشوز تأديب لها على تمردها، أما الإيلاء فقد يكون من غير تمرُّد من الزوجة ولذا لم يُشرع الإيلاء أكثر من أربعة أشهر لما فيه من ظلم للمرأة، ثم إن الإيلاء يمين (حلف) بخلاف الهجر.

وإذا كان كذلك فلا يصح تقييد مطلق الآية بهذا، وهو الأرجح، والله أعلم.

* فائدة: يجوز الهجر بترك الكلام مع الناشز اتفاقًا: لكنهم اختلفوا في مدة


(١) «البدائع» (٢/ ٣٣٤)، و «منح الجليل» (٢/ ١٧٦)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٢٥٩)، و «المغني» (٧/ ٤٦)، وانظر «أحكام المعاشرة الجنسية» (ص: ٢٩٢).
(٢) حسن: أخرجه أبو داود (٢١٤٢)، وابن ماجة (١٨٥٠) وقد تقدم.
(٣) صحيح: يأتي تخريجه في «الإيلاء» - إن شاء الله.
(٤) المراجع الفقهية السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>