للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أ) أن يكون غير مُتعدٍّ بسكره: كأن يسكر مضطرًا أو مكرهًا أو تناول دواء العلاج الضروري إذا تعين بقول طبيب مسلم ثقة، أو تعاطي البنج، أو لم يعلم أنه مسكر، ونحو ذلك -وهو نادر- فهذا لا يقع طلاقه بإجماع العلماء (١)، لفقدان العقل لديه كالمجنون دون تعدٍّ.

(ب) أن يكون متعديًا بسُكره: كأن يشرب الخمر عالمًا به مختارًا لشربه، أو تناول مخدرًا ونحو ذلك، فهذا اختلف أهل العلم في وقوع طلاقه على قولين (٢):

الأول: يقع طلاقه حال سُكره: وهو مذهب جمهور العلماء، منهم أبو حنيفة وصاحباه ومالك والشافعي في أصح قوليه وأحمد في المشهور عنه، وبه قال ابن المسيب والحسن والشعبي وعطاء والأوزاعي والثوري وطائفة من السلف، وحجة هذا المذهب ما يلي:

١ - أن حكم التكليف جار عليه، فيؤاخذ بجنايته، قالوا: ويدل عليه قوله تعالى: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارى حتى تعلموا ما تقولون ...} (٣). فنهيهم حال السكر عن قربان الصلاة يقتضي عدم زوال التكليف!! وأُجيب: بأن هذا ضعيف، فإنه إن أُريد أن وقت السكر يؤمر ويُنهى فهذا باطل، فإن من لا عقل له ولا يفهم الخطاب ولا يعقل ما يقول فليس بمكلف، إذ الإجماع منعقد على أن شرط التكليف العقل.

وأما الآية الكريمة ففيها نهي لهم أن يسكروا سكرًا يفوتون به الصلاة أو نهي لهم عن الشرب القريب من وقت الصلاة، أو نهي لمن يدب فيه أوائل النشوة، وأما في حال السكر فلا يخاطب بحال (٤).

٢ - أن في إيقاعه عقوبة له، وأُجيب: بأن الشريعة لم تعاقب أحدًا بهذا الجنس من إيقاع الطلاق أو عدم إيقاعه، بل يكفيه الحد وقد وحصل رضا الله عز وجل


(١) «المغني» (٧/ ١١٦)، و «الإجماع» لابن المنذر (ص: ١٠٠).
(٢) «ابن عابدين» (٣/ ٢٣٩)، و «الهداية» (١/ ٢٣٠)، و «الدسوقي» (٢/ ٣٦٥)، و «بداية المجتهد» (٢/ ١٣٨)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٢٧٩)، و «الأم» (٥/ ٢٥٣)، و «المغني» (٧/ ١١٤ - ١١٥) ط. المنار، و «الإنصاف» (٨/ ٤٣٣)، و «مجموع الفتاوى» (٣٣/ ١٠٢ - ١٠٨)، و «زاد المعاد» (٥/ ٢١١ - وما بعدها)، و «المحلي» (١٠/ ٢٠٨)، و «جامع أحكام النساء» (٤/ ٨٦ - ٩٩).
(٣) سورة النساء: ٤٣.
(٤) «مجموع الفتاوى» (٣٣/ ١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>