للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشيباني، وهو قول ابن عباس وطاوس والحسن وعطاء، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية (١)، وهو الراجح.

الثالث: أن المس ينقض إذا كان بشهوة، وهو مذهب مالك وأحمد في المشهور عنه (٢).

قلت: عمدة ما استدل به القائلون بنقض الوضوء من مس المرأة، قوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} (٣) وصح عن ابن مسعود وابن عمر «أن المس ما دون الجماع» (٤).

لكن خالفهما حبر الأمة ابن عباس فقال: «المسُّ واللمس والمباشرة: الجماع ولكن الله يكني ما شاء بما شاء» (٥) ولا شك أن تفسيره مقدم على غيره، ثم إن في الآية نفسها دليلاً عليه، فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا} (٦). هذه طهارة بالماء عن الحدث الأصغر، ثم قال: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} وهذه طهارة بالماء عن الحدث الأكبر، ثم قال: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}. فقوله {فَتَيَمَّمُوا} هذا بدل عن الطهارتين، فكان قوله {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} بيان سبب الصغرى، وقوله {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ} بيان سبب الكبرى (٧).

ولْيُعلم أن تأويل الشافعي نفسه لمعنى المسِّ في الآية الكريمة لم يكن من منه على سبيل الجزم والقطع، بل الظاهر عن عبارته أنه ذكره على شيء من الحذر (٨) فقال في «الأم» (١/ ١٢) بعد ذكر الآية:

«فأشبه أن يكون أوجب الوضوء من الغائط وأوجبه من الملامسة وإنما ذكرها


(١) «المبسوط» (١/ ٦٨)، و «البدائع» (١/ ٣٠)، و «الأوسط» (١/ ١٢٦)، و «مجموع الفتاوى» (٢١/ ٤١٠).
(٢) «المدونة» (١/ ١٣)، و «حاشية الدسوقي» (١/ ١١٩)، و «المغنى» (١/ ١٩٢)، و «كشاف القناع» (١/ ١٤٥).
(٣) سورة المائدة، الآية: ٦.
(٤) صحيح: «تفسير الطبري» (١/ ٥٠٢) بأسانيد صحيحة.
(٥) إسناده صحيح: أخرجه الطبري (٩٥٨١)، وابن أبي شيبة (١/ ١٦٦).
(٦) سورة المائدة، الآية: ٦.
(٧) «الشرح الممتع» (١/ ٢٣٩)، ونحوه في «الأوسط» (١/ ١٢٨).
(٨) أفاده الشيخ مشهور -حفظه الله- في تحقيقه «للخلافيات» (٢/ ٢١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>