للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ب) محل الاختلاف:

واختلفوا في بقية الحدود إذا تاب مرتكب الجريمة الحدِّية قبل المقدرة عليه على قولين:

الأول: تسقط هذه الحدود بالتوبة قبل المقدرة عليه كذلك: وهو قول في مذهب الحنفية وقول للشافعية، وهو إحدى الروايتين عند الحنابلة، واختارها ابن القيم، واستدل لها بما يلي:

١ - قوله تعالى - في سياق الكلام عن فاحشة الزنى - {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما} (١).

٢ - وقوله سبحانه بعد ذكر حد السرقة: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه} (٢).

٣ - حديث أنس قال: «كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبتُ حدًّا فأقمه عليَّ، ولم يسأله، قال: وحضرت

الصلاة فصلَّى مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - قام إليه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًّا فأقمه عليَّ، قال: ولم يسأل عنه، قال: «أليس قد صليت معنا؟» قال: نعم، قال: «فإن الله عز وجل قد غفر لك ذنبك» (٣) وفي بعض الروايات أنه قال: «إني زنيت».

قال الحافظ في «الفتح» (١٢/ ١٣٤): «قد يتمسك به من قال: إنه إذا جاء تائبًا سقط عنه الحد» اهـ.

٤ - حديث وائل بن حُجْر - رضي الله عنه -: (أن امرأة وقع عليها في سواد الصبح وه تعمد إلى المسجد بمكروه على نفسها، فاستغاثت برجل مرّ عليها وفر صاحبها، ثم مرّ عليها ذوو عدد فاستغاثت بهم، فأدركوا الرجل الذي كانت استغاثت به فأخذوه، وسبقهم الآخر، فجاءوا به يقودونه إليها: فقال: أنا الذي أغثتك، وقد ذهب الآخر، قال: فأتوا به نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرته أنه الذي وقع عليها وأخبر القوم أنهم أدركوه يشتد، فقال: إنما كنت أغثتها على صاحبها فأدركني هؤلاء فأخذوني، فقالت: كذبت هو الذي وقع علي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «انطلقوا به


(١) سورة النساء: ١٦.
(٢) سورة المائدة: ٣٩.
(٣) صحيح: أخرجه البخاري (٦٨٢٣)، ومسلم (٢٧٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>