للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأجيب: بأن هذا من العموم المخصَّص بالسنة كما تقدم في أدلة الفريق الأول.

٢ - الأحاديث التي فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام الحدَّ على من جاء تائبًا يطلب التطهير بإقامة الحد عليه كماعز والغامدية - رضي الله عنهما.

قالوا: فلو كانت التوبة قبل القدرة مسقطة للحدِّ لم يحدَّهم - صلى الله عليه وسلم.

وأجيب: بأن الحدَّ مطهَّر والتوبة مطهرة، وهما اختارا التطهير بالحدِّ على التطهير بالتوبة، وأبيا إلا أن يُطهَّرا بالحدِّ، فأجابهما النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك، وأرشد إلى اختيار التطهير بالتوبة على التطهير بالحد، فقال في حق ماعز: «هلا تركتموه يتوب، فيتوب الله عليه» (١) ولو تعيَّن الحد بعد التوبة لما جاز تركه، بل الإمام مُخيَّر بين أن يتركه - كما قال لصاحب الحد الذي اعترف: «اذهب فقد غفر الله لك» (٢) - وبين أن يقيمه كما أقامه على ماعز والغامدية لما اختار إقامته، وأبيا إلا التطهير به، ولذلك ردَّهما النبي - صلى الله عليه وسلم - مرارًا، وهما

يأبيان إلا إقامته عليهما.

وهذا المسلك وسط بين مسلك من يقول: لا تجوز إقامته بعد التوبة البتة، وبين مسلك من يقول: لا أثر للتوبة في إسقاطه البتة، وإذا تأملت السنة رأيتها لا تدل إلا على هذا القول الوسط والله أعلم (٣).

قلت: وهو الأرجح، والأقرب إلى روح الشريعة، وهو مقتضى رحمة رب العالمين واتساعها للعفو عن المذنبين، ورفع العقاب عن التائبين، فليس للإمام أن يقيم الحدَّ على من تاب توبة صادقة وجاء بنفسه فاعترف قبل أن تقوم البينة عليه ويؤتى به إلى الإمام، لكن إذا طلب هو إقامة الحد عليه أُقيم وإلا فلا، على أنه ينبغي أن ينتبه إلى أنَّ من قامت عليه البينة وأتى به إلى الإمام ليقيم عليه الحد، ثم أظهر التوبة لم يُقبل منه ذلك، فإن كان تائبًا في الباطن كان الحد مكفِّرًا، وكان مأجورًا على صبره (٤) والله أعلم.

شروط وجوب الحدِّ:

يشترط فيمن يرتكب جريمة حدِّية ليجب عليه الحد - عمومًا - ما يلي:


(١) إسناده حسن: تقدم قريبًا.
(٢) صحيح: تقدم قريبًا.
(٣) «إعلام الموقعين» (٢/ ٧٩).
(٤) انظر «مجموع الفتاوى» (١٦/ ٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>