للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأذى، وظهوره عند كل سامع بمنزلة ظهور الصريح، والعبرة في الشريعة بالمقاصد والمعاني، لا بالألفاظ والمباني.

٤ - أن الكناية مع القرينة الصارفة إلى أحد محتملاتها كالصريح الذي لا يحتمل إلا ذلك المعنى، كما حكى الله تعالى عن مريم {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} (١). فعرضوا لمريم بالزنا ولذا قال تعالى: {وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما} (٢).

قال القرطبي - رحمه الله -: «وكفرهم معروف، والبهتان العظيم هو التعريض لها، أي: ما كان أبوك امرأ سوء وكانت أمك بغيًّا، أي: أنت بخلافهما وقد أثبت بهذا الولد» اهـ.

٥ - أن هذا الحكم مؤيد بالقياس على وقوع الطلاق والعتق والوقف والظهار بالتصريح والكناية، والعلة كون الكل ألفاظًا يمكن أن يفيد غير الصريح منها ما يفيده الصريح.

الراجح (٣):

الذي يبدو أن الحدَّ يجب بالتعريض في القذف بشرط قيام القرائن على تحديد القصد في ذلك، بحيث يُفهم من التعريض القذفُ فهمًا واضحًا لا لبس فيه، إذ لا يكون للمعرِّض تأويل مقبول يصحُّ حمل الكلام عليه، وفي هذا إعمال لقاعدتي الشريعة: (العبرة في الشريعة بالمقاصد والنيات) وقاعدة (درء الحد بالشبهات).

فإذا احتفت القرائن مع أن المراد بالتعريض ذات القذف، انتفت الشبهة وتحقق الحدُّ، وإذا ضعفت القرائن، قويت الشبهة وانتفى الحد (٤).

ولئلا يتذرَّع الناس لقذف بعضهم بألفاظ التعريض التي يُفهم منها القذف بالزنا، والله أعلم.

تنبيه: القائلون بانتفاء الحد عن المعرِّض بالقذف - أو أكثرهم - يرون أنه لابد أن يعاقب بالتعزير للأذى الذي صدر منه لصاحبه بالتعريض.


(١) سورة مريم: ٢٨.
(٢) سورة النساء: ١٥٦.
(٣) مستفاد من «الحدود والتعزيرات» (ص ٢٢٣ - ٢٢٤)، و «أضواء البيان» (٦/ ٩٩)، و «الروضة الندية» (ص: ٢٨٢).
(٤) وعلى هذا يحمل حديث أبي هريرة المتقدم، فإن قول الرجل «ولدت غلامًا أسود» تعريض محتمل لم يقم بجانبه من القرائن ما يجعله يفهم منه بوضوح أنه قذف، ولذا لم يحدَّ، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>