للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاتجاه الثاني: أن هذه الأحاديث محكمة ليست منسوخة: وهو قول أبي محمد بن حزم - رحمه الله -، وابن القيم، فاتفقا في المأخذ، لكنهما اختلفا في النتيجة، فقال ابن حزم: يُقتل في الرابعة حدًّا، وقال ابن القيم: يُقتل تعزيرًا حسب المصلحة، فإذا أكثر منه ولم ينهه الحد واستهان به فللإمام قتله تعزيرًا لا حدًّا.

وقد ناقش كلاهما دعوى نسخ الأمر بقتل الشارب في الرابعة، ودعوى الإجماع على ذلك بما يلي:

١ - تضعيف ابن حزم للأحاديث التي فها التصريح برفع القتل.

٢ - أن ادعاء النسخ بالحديث الخاص - كحديث عبد الله الملقب حمارًا -

إنما يتم بثبوت تأخره والإتيان به بعد الرابعة، ومنافاته للأمر بقتله.

٣ - أن ادعاء النسخ بحديث: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ...» لا يصح لأنه عام وحديث القتل خاص.

٤ - أن دعوى الإجماع يقدح فيها أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «ائتوني به في الرابعة فعليَّ أن أقتله» (١).

قالوا: وهذا كافٍ في نقص الإجماع أو نفي ادعائه.

الترجيح:

الذي يظهر لي أن قول الجماهير من العلماء من أن قتل الشارب في الرابعة منسوخ أقوى لثبوت النص بذلك، وكذلك للإجماع عليه، وأما أثر عبد الله بن عمرو فهو ضعيف منقطع، فلا تقوم به حجة، ولا تتم دعوى نقص الإجماع به، وحتى لو ثبت عن عبد الله بن عمرو لكان عذره أنه لم يبلغه النسخ وعَدَّ ذلك من نزره المخالف (٢).

لكن .. إذا أدمن الناس شربها وانهمكوا فيها وتهالكوا في شربها، ولم يكن الحد بالجلد زاجرًا لهم، فهل للإمام أن يُعزِّر الشارب المتهالك بالقتل صيانة للعباد وردعًا للفساد من باب السياسة الشرعية للمصلحة كما اختاره ابن تيمية وابن القيم؟! هذا موضع نظر واجتهاد، والله أعلم.


(١) إسناده ضعيف: أخرجه أحمد (٦٧٥٢)، والطحاوي (٢/ ٩١)، وابن حزم (١١/ ٣٦٦) وهو منقطع بين الحسن وعبد الله بن عمرو.
(٢) انظر «فتح الباري» (١٢/ ٨٢ - سلفية).

<<  <  ج: ص:  >  >>