للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - إذا أخافوا السبيل فقط، فلم يقتلوا أو يأخذوا مالًا: فإنهم يُنفون من

الأرض عند جمهور الفقهاء لقوله تعالى: {أو ينفوا من الأرض} (١).

واختلفوا في معنى النفي (٢)، فقال أبو حنيفة: نفيه حبسُه حتى تظهر توبته أو يموت، وقال مالك: النفي إبعاده عن بلده إلى مسافة البعد (يعني: مسافة الصفر فما زاد) وحبسه فيه.

وقال الشافعي: النفي: الحبس أو غيره، كالتغريب، كما في الزنا.

ومذهب أحمد أن النفي: أن يُشرَّدوا، فلا يُتركوا يستقرون في بلد، وهو مروي عن ابن عباس وبه قال النخعي وقتادة وعطاء.

قلت: الذي يتبادر من قوله (ينفوا) أن فيه طردًا وإبعادًا، وأما حبسه فإنما يكون حيث يرى الإمام أن في إطلاقه - في مكان نفيه - فسادًا أو شرًّا على الناس، واختار شيخ الإسلام أن النفي يكون بحسب ما يراه الإمام: إما بطرده بحيث لا يأوى في بلد، وإما بحبسه وقال: وهذا أعدل وأحسن. اهـ (٣).

هل يُقتصُّ من المحارب للجروح؟ (٤)

ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن المحارب إذا جَرَح جرحًا فيه قود فاندمل لم يتحتم به قصاص، بل يتخيَّر المجروح بين القود والعفو على مال أو غيره؛ لأن التحتم تغليظ لحق الله، فاختص بالنفس كالكفارة، ولأن الشرع لم يرد بشرع الحد

في حق المحارب بالجراح، فبقي على أصله في غير الحرابة.

وفي قول عند الشافعية وإحدى الروايتين عن أحمد: يتحتم فيه القصاص كالنفس لأن الجراح تابعة للقتل، فيثبت فيها مثل حكمه.

وعند الشافعية قول ثالث وهو: أنه يتحتم في اليدين والرجلين، لأنهما مما يستحقان في المحاربة دون غيرهما. قلت: والراجح أنه يتحتم القصاص لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعرنيين فعن أنس - رضي الله عنه - قال: «قدم رهط من عكَلٍ على النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا في


(١) سورة المائدة: ٣٣.
(٢) «فتح القدير» (٥/ ١١٣)، و «ابن عابدين» (٣/ ٢١٢)، و «الدسوقي» (٤/ ٣٤٩)، و «الجواهر» (٢/ ٢٩٤)، و «نهاية المحتاج» (٨/ ٥)، و «المغني» (٨/ ٢٩٤)، و «كشاف القناع» (٦/ ١٥٣).
(٣) «مجموع الفتاوى» (١٥/ ٣١٠).
(٤) «البدائع» (٧/ ٩٥)، و «ابن عابدين» (٣/ ٢١٣)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٤٨٣)، و «المغني» (٨/ ٢٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>