للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصول، والحنفية من جملة القائلين بعدم العمل به، فكيف يصح احتجاجهم به؟! كما أن الجملة المعطوفة «ولا ذو عهد في عهده» لمجرد النهي عن قتل المعاهد بعد كلام تام مستقل بنفسه وهو «لا يقتل مؤمن بكافر» فلا تقدير فيها أصلًا.

٤ - واستدلوا بعموم قوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} (١).

وأجيب: بأنه قد خصصه حديث عليٍّ المتقدم.

فالحاصل: أنه لا يُسلَّم بما قاله الحنفية من صرف ظاهر الحديث، فعُلم أن الحق مذهب الجمهور من عدم قتل المسلم بكافر حربيًّا كان أو ذميًّا، ويؤيده قوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} (٢) ولو كان للكافر أن يقتص من المسلم لكان في ذلك أعظم سبيل، وقد نفى الله تعالى أن يكون له عليه سبيل نفيًا مؤكدًا، وقد ثبت عن ابن عمر: أن رجلًا مسلمًا قتل رجلًا من أهل الذمة عمدًا، فرفع ذلك إلى عثمان، فلم يقتله وغلظ عليه الدية مثل دية المسلم: ألف

دينار (٣).

فائدتان:

١ - ذهب مالك وأحمد في رواية إلى أن هذا التكافؤ لا يشترط في القتل بالحرابة، فيقتل فيها المسلم بالذمي، وهو اختيار شيخ الإسلام، قال: وهو أعدل الأقوال، وفيه جمع بين الآثار المنقولة في هذا الباب، فإن القتل فيها (أي: في المحاربة) حد لعموم المصلحة فلا تتعين فيه المكافأة. اهـ.

ووجهه - كما يقول المالكية - أن هذا قتل يسقط بالعفو فلم يسقط بعدم التكافؤ، وأصل ذلك القتل بالردة، ولأنه ليس بقتل قصاص، وإنما هو حق لله تعالى أو أنه حق للآدميين تغلَّظ بحق الله تعالى (٤).

وأما مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين: فلا يقتل المسلم بالكافر بحال، وعند أبي حنيفة: يقتل به بكل حال على ما تقدم (٥).


(١) سورة المائدة: ٤٥.
(٢) سورة النساء: ١٤١.
(٣) إسناده صحيح: أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل» (٨٧٦).
(٤) «المنتقى شرح الموطأ» (٧/ ١٧٤)، و «الإنصاف» (١٠/ ٢٩٤)، و «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٣٨٢).
(٥) تقدمت مراجع الشافعية والحنفية قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>