للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: والأول هو الصواب، لأن الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى حين غاب الشفق، وقد علم كل من له علم بالمطالع والمغارب أن البياض لا يغيب إلا عند ثلث الليل الأول (١)، وقد ثبت في حديث عائشة أنهم: «كانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول» (٢) فصح يقينًا أن الشفق: الحمرة لا البياض، والله أعلم.

آخر وقت العشاء: اختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال مشهورة:

الأول: آخره إلى ثلث الليل: وبه قال الشافعي في الجديد [إلا أن هذه عنده وقت الاختيار، هذا المذهب، لكن الذي صرَّح به في «الأم» أنه إذا مضى الثل فهي فائتة] وأبو حنيفة والمشهور من مذهب مالك (٣) وحجتهم: حديث إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه «أنه صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني ثلث الليل».

الثاني: آخره نصف الليل: وبه قال الثوري وابن المبارك وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي والشافعي في القديم [إلا أنه عند أصحاب الرأي يجزئ بعده مع الكراهة وعند الشافعي: هو وقت الاختيار وأنه لا يفوته إلى الفجر] وابن حزم.

وحجتهم: حديث عبد الله بن عمرة -الذي تقدم كثيرًا- وفيه: «ووقت العشاء إلى نصف الليل الأوسط ...» وحديث أنس قال: «أخر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ...» (٤)، وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري: «... وأن صلِّ العشاء ما بينك وبين ثلث الليل، وإن أخَّرت فإلى شطر الليل، ولا تكن من الغافلين» (٥).

الثالث: آخره طلوع الفجر الصادق (ولو لغير اضطرار»: وهو قول عطاء وطاوس وعكرمة وداود الظاهري، وهو مروي عن ابن عباس وأبي هريرة، واختاره ابن المنذر (٦) وحجتهم:


(١) هذه الحقيقة نقلها في «نيل الأوطار» (٢/ ١٦) عن ابن سيد الناس في «شرح الترمذي» ثم رأيت ابن رشد في «بداية المجتهد» (١/ ١٢٧) يكذبها فليحرر!!
(٢) صحيح: أخرجه البخاري (٥٦٩)، ومسلم (٢١٨).
(٣) «الأوسط» (٢/ ٣٤٣)، و «الأم» (١/ ٧٤)، و «بداية المجتهد» (١/ ١٢٨)، و «المجموع» (٣/ ٤٢).
(٤) صحيح: أخرجه البخاري (٥٧٢).
(٥) إسناده صحيح: أخرجه مالك والطحاوي وابن حزم بسند صحيح كما في «تمام المنة» (ص: ١٤٢).
(٦) «الأوسط» (٢/ ٣٤٦)، و «بداية المجتهد» (١/ ١٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>