للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما تحديدها فقال الحافظ ابن حجر: وقد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافًا كثيرًا، وتحصَّل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولاً اهـ. [ثم ذكر هذه الأقوال وأدلة أصحابها] (١).

والأكثرون على أنها في العشر الأواخر من رمضان لحديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «... فابتغوها في العشر الأواخر» (٢).

وأكثرهم على أنها في الوتر من العشر الأواخر لقوله صلى الله عليه وسلم: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر» (٣).

وأكثرهم كذلك على أنها ليلة السابع والعشرين وهو قول جماعة من الصحابة وبه جزم أبي ابن كعب وحلف عليه كما في صحيح مسلم (٤).

قلت: الذي يظهر لي أن ليلة القدر في العشر الأواخر وأوتار العشر آكد وأنها تنتقل فيها، وأنها لا تختص بليلة السابع والعشرين، فإن ما جاء عن أُبيٍّ أنها ليلة السابع والعشرين هذا في سنة ولا يعني تعيينها في كل سنة، ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وافق ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين، كما في حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم فقال: «إني أريت ليلة القدر ثم أنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر، وإني رأيت أني أسجد في ماء وطين» ... قال أبو سعيد: مطرنا ليلة إحدى وعشرين فوكف المسجد في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح ووجهه مُبْتَلٌّ طينًا وماءً (٥).

وهذا هو الذي يدل عليه مجموع الأخبار الواردة فيها والله أعلم.

إخفاء ليلة القدر:

وإنما أخفيت ليلة القدر ليجتهد العباد في الطاعة في جميع الليالي، رجاء أنه ربما كانت هذه الليلة هي ليلة القدر، فمن رجح عنده خبر في ليلة أحياها، ومن أراد أن يوافقها على التحقيق، فعليه أن يشكر الله بالفراغ إليه بالعبادات في الشهر كله، فهذا هو السر في عدم تعيينها، ولعله يشير إلى هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إني


(١) «فتح الباري» (٤/ ٣٠٩ - سلفية).
(٢) صحيح: أخرجه البخاري (٢٠١٨)، ومسلم (١١٦٧) عن أبي سعيد.
(٣) صحيح: أخرجه البخاري (٢٠١٧).
(٤) صحيح مسلم (٧٦٢)، والترمذي (٣٣٥١).
(٥) صحيح: أخرجه البخاري (٢٠١٨)، ومسلم (١١٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>