للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتمتع، كلها جائزة وأن الأمر فيها واسع، حتى إن بعضهم نقل الإجماع على ذلك (١)، ثم اختلف هؤلاء -بعد الاتفاق على المشروعية- في أي هذه الأنساك أفضل على ما سيأتي.

بينما ذهب بعض العلماء إلى وجوب التمتع على من لم يسق الهدي، وأنه إذا طاف وسعى فقد حلَّ شاء أم أبى، وهذا مذهب ابن عباس وأبي موسى الأشعري وبه قال أهل الظاهر وانتصر له ابن حزم ثم ابن القيم ببحثين ما تعين (٢).

واستدلوا على ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بفسخ الحج إلى عمرة، وتحتيمه ذلك عليهم، وتعاظم ذلك عندهم مما يدل على أنهم فهموا من الأمر الإيجاب وغضبه صلى الله عليه وسلم لما تراخوا وراجعوه كما في حديث عائشة: «... فدخل عليَّ وهو غضبان، فقلت من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار، فقال: أو ما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون ...» (٣).

واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم لما سألوه عن الفسخ الذي أمرهم به «ألعامنا هذا، أم لأبد الأبد؟» فشبَّك صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، لا بل لأبد أبد، لا بل لأبد أبد» (٤).

وقد كان ابن عباس رضي الله عنهما يناظر على هذه المسألة حتى يقول: «أقول لكم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر، يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء» (٥) لأن أبا بكر وعمر كانا يريان أن الإفراد أفضل من التمتع كما سيأتي.

وخلاصة هذا المذهب: «أن من أراد الحج وجاء إلى الميقات: فإن لم يكن معه هدي وجب عليه أن يحرم بعمرة مفردة ولابدَّ [يعني يكون متمتعًا] فإن أحرم بحج، أو بقران حج وعمرة، وجب عليه أن يفسخ إهلاله بعمرة يحل إذا أتمها، ثم يبتدئ الإهلال بالحج مفردًا من مكة.


(١) انظر «المجموع» (٧/ ١٤٤)، و «المغنى» (٣/ ٢٧٦)، و «معالم السنن» للخطابي (٢/ ٣٠١). وقال النووي في «شرح مسلم» بعد أن أورد خلاف بعض الصحابة في المسألة: «وقد انعقد الإجماع بعد هذا على جواز الإفراد والتمتع والقران من غير كراهة» اهـ.
(٢) راجع «المحلى» (٧/ ٩٩ وما بعدها)، و «زاد المعاد» (٢/ ١٧٧ وما بعدها)، و «صفة حجة النبي».
(٣) صحيح: أخرجه مسلم (١٢١١)، وأحمد (٦/ ١٧٥).
(٤) صحيح: أخرجه مسلم (١٢١٨) وهو في السنن مختصرًا.
(٥) مسند أحمد (١/ ٣٣٧)، و «الفقيه والمتفقه» (١/ ١٤٥)، و «جامع بيان العلم» (٢/ ٢٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>