للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أ) أنه يكره، وبه قال الحسن وابن سيرين والنخعي، وهو مذهب مالك، واختاره شيخ الإسلام، وحجتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يعتمروا في عام مرتين، فتكره الزيادة على فعلهم، ولأن العمرة هي الحج الأصغر، والحج لا يشرع في العام إلا مرة واحدة، فكذلك العمرة.

(ب) أنه جائز ومستحب، وهو مذهب الجمهور، منهم عطاء وطاوس وعكرمة والشافعي وأحمد، وهو المروي عن عليٍّ وابن عمر وابن عباس وعائشة، وحجتهم أن عائشة اعتمرت في شهر مرتين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم: عمرتها التي كانت مع الحجة، والعمرة التي اعتمرتها من التنعيم، وهذا على القول بأنها لم ترفض عمرتها وأنها كانت قارنة كما ذهب إليه الجمهور.

وكذلك استدلوا بحديث «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ...» (١)، وبحديث عائشة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرتين: عمرة في ذي القعدة وعمرة في شوال» (٢).

قلت: والظاهر لي أن مذهب الجمهور أرجح، والعمرة عمل خير لم يأت ما ينهي عن تكراره، وقياسها على الحج -في كونه مرة- لا يصح؛ لأن العمرة ليس لها وقت تفوت به بخلاف الحج، ثم إن الحج لا يتصور تكراره في عام واحدة، فبطل القياس عليه، والله أعلم.

٢ - تكرار العمرة في سفرة واحدة:

الخلاف في هذه المسألة مثل الخلاف في التي قبلها، لكن الراجح هنا أنه لا يُشرع تعدد العُمر في السفرة الواحدة كما يفعله كثير من الناس اليوم من الخروج إلى التنعيم -بعد الحج مثلاً- ثم الاعتمار، فهذا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم «وإنما كانت عُمَر النبي صلى الله عليه وسلم كلها داخلاً مكة، وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجًا من مكة تلك المدة أصلاً، فالعمرة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعها: عمرة الداخل إلى مكة لا عمرة من كان بها فخرج إلى الحل ليعتمر، ولم يفعل هذا على عهده أحد قط إلا عائشة وحدها من بين سائر من كان


(١) صحيح: تقدم قريبًا.
(٢) إسناده صحيح: أخرجه أبو داود (١٩٩١)، والبيهقي (٥/ ١١).
وقال ابن القيم في «تهذيب السنن» (٥/ ٣٢٥ - العون): وهو وهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في شوال قط ... اهـ. فليراجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>