للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" عند قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ}:

كثيرًا ما يأمر الله بذكره بعد قضاء العبادات؛ ولهذا ثبت في "صحيح مسلم": أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من الصلاة يستغفر الله ثلاثًا (١).

وقال ابن القيم في كتابه "طريق الهجرتين" في بحث ترتيب عبادة الصالحين حين دخول وقت الصلاة ما نصَّه:

"فإذا جاء وقت الفرض بادر إليه مكملًا له، ناصحًا فيه لمعبوده، كنصح المحبِّ الصادقِ المحبةِ لمحبوبه الذي قد طلب منه أن يعمل له شيئًا ما؛ فهو لا يُبقي مجهودًا، بل يبذل مقدوره كله في تحسينه وتزيينه وإصلاحه وإكماله؛ ليقع موقعًا من محبوبه؛ فينال به رضاه عنه وقربه منه.

أفلا يستحي العبد من ربه ومولاه ومعبوده أن لا يكون عمله هكذا؟ وهو يرى المُحِبِّين في إشغال محبوبهم من الخلق كيف يجتهدون في إيقاعها على أحسن وجه وأكمله، بل هو يجد من نفسه ذلك مع من يحبه من الخلق، فلا أقل من أن يكون مع ربه بهذه المنزلة. ومن أنصف نفسه وعرف أعماله؛ استحى من الله أن يواجهه بعمله أو يرضاه لربه، وهو يعلم من نفسه أنه لو عمل لمحبوب له من الناس لبذل فيه نصحه ولم يدع من حسنه شيئًا إلَّا فعله.

وبالجملة: فهذا حال هذا العبد مع ربه في جميع أعماله، فهو يعلم أنَّه لا يوفِّي هذا المقام حقه؛ فهو أبدًا يستغفر الله عقيب كل عمل.


(١) "تفسير ابن كثير" (١/ ٢٤٢، ٢٤٣، ط الحلبي).

<<  <   >  >>