للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعريف الأوّل: أن القربة "هي فعل ما يثاب عليه، بعد معرفة من يتقرب إليه به، وإنَّ لم يتوقف على نيّة" (١).

وهذا التعريف جارٍ على مذهب المتكلمين؛ وبيان ذلك: أن قوله: "بعد معرفة من يتقرب إليه به"، يدلُّ على أن من شرط القربة العلم بالمتقرَّب إليه، وأنّه لا يمكن أن توجد قربة إِلَّا بعد العلم بالمعبود سبحانه وتعالى، والعلّم بالله تعالى لا يكون إِلَّا بعد النظر، والاستدلال، أو القصد إلى النظر، كما يزعم أرباب الكلام، فإنهم يقولون: إنَّ أول واجب على المكلَّف هو النظر، أو القصد إلى النظر ... ولكن أهل السُّنَّة، وأئمة السلف متفقون على أن أول واجب على المكلَّف هو الشهادتان، والتوحيد أول ما يُدخَلُ به في الإسلام، وآخر ما يخرج به في الدنيا (٢).

والدّليل على ذلك هو قول النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -:

(أمرت أن أقاتل النَّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إِلَّا لله، وأن محمدًا رسول الله ...). وفي رواية: (حتّى يقولوا لا إله إلا الله ...) (٣).

وهذا القيد ذكروه في التعريف؛ ليبينوا أن هناك من الأفعال ما يكون طاعة، ولكن لا يكون قربة، مثل قضية النظر المؤدي إلى معرفة الله الّتي ذكروها، فإنها عندهم طاعة، وليست بقربة؛ لعدم تحقق شرط القربة، وهو العلم بالمتقرب إليه.


(١) حاشية ابن عابدين: ١/ ١٣٢، ٢/ ٧٢.
(٢) انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز: ١/ ٢٣: تحقيق د/ التركي، وانظر: المنثور في القواعد للزركشي: ٣/ ٦١ - ٦٢، حاشية ابن عابدين: ١/ ٧٢. وانظر: درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية: ٧/ ٤٠٥، ٤٦٤، ٩/ ٣ - ٦٦. والفصل في الملل والنحل لابن حزم: ٤/ ٣٥ - ٤٤. ففي هذين الكتابين ردّ وافر على أرباب هذه المقولة.
(٣) أخرجه البخاريّ في كتاب الإيمان، باب "فإن تابوا وأقاموا الصّلاة ... " ١/ ٩٤ (٢٥). ومسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال النَّاس حتّى يقولوا لا إله إِلَّا الله: ١/ ٥١ - ٥٣ (٣٢ - ٣٦) من حديث أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>