للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: أن الآية محكمة، والجمع بينها وبين الآية الأخرى الّتي قيل إنها ناسخة ممكن؛ قال ابن القيم (١): "وقالت طائفة أخرى: الآية منسوخة بقول تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ}، وهذا منقول عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، وهذا ضعيف أيضًا، ولايرفع حكم الآية بمجرد قول ابن عبّاس رضي الله عنهما، ولا غيره أنّها منسوخة، والجمع بين الآيتين غير متعذر، ولا ممتنع، فإن الأبناء اتبعوا الآباء في الآخرة، كما كانوا تبعًا لهم في الدنيا، وهذه التبعية هي من كرامة الآباء، وثوابهم الّذي نالوه بسعيهم. وأمّا كون الأبناء لحقوا بهم في الدرجة بلا سعي منهم، فهذا ليس هو لهم، وإنّما هو للآباء أقرّ الله أعينهم بإلحاق ذريتهم بهم في الجنَّة، وتفضل على الأبناء بشيء لم يكن لهم، كما تفضل بذلك على الوِلدان، والحور العين، والخلق الذين ينشئهم للجنة بغير أعمال، والقوم الذين يدخلهم الجنَّة بلا خير قدموه، ولا عمل عملوه، فقوله تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: ٣٨]، وقوله تعالى؛ {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}، آيتان محكمتان يقتضيهما عدل الرب، وكماله القدس، والعقل، والفطرة شاهدان بهما" (٢).


(١) هو: محمّد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، أبو عبد الله شمس الدِّين المعروف بابن قيم الجوزية، الفقيه الحنبلي الأصولي، المحدث المفسر النحوي الأديب الواعظ الخطيب، المصلح، المجتهد، ولد بدمشق، وبرع في كلّ العلوم، تتلمذ على شيخ الإسلام ابن تيمية، له مؤلفات عظيمة جليلة منها: زاد المعاد في هدى خير العباد، أعلام الموقعين، وإغاثة اللهفان من مكائد الشيطان، وبدائع الفوائد، وغيرها كثير، توفي سنة ٧٥١ هـ بدمشق: (ذيل طبقات الحنابلة: ٢/ ٤٤٧، الدرر الكامنة لابن حجر: ٣/ ٤٠٠).
(٢) الرُّوح لابن القيم: ص/ ١٢٦ - ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>