للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مناقشة الاستدلال]

نوقش الاستدلال بالحديث بما يأتي:

أوَّلًا: أن هذا الحديث محمول على الندب؛ فالأمر في قوله - صلّى الله عليه وسلم -: (واتخذ) يفيد الندب، وليس الوجوب، حيث ندب النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - إلى اتخاذ المؤذنين الذين لايأخذون على الأذان أجرًا. وعليه فيكون أخذ الأجرة على الأذان ليس حرامًا (١)، ولكنه مكروه، وهو ما سيأتي بيانه في الجواب الرّابع.

ثانيًا: أن الحديث محمول على الورع، وليس على تحريم الأجرة على الأذان (٢)؛ فإن ترك المؤذن الورع، وأخذ الأجرة، كان ذلك جائزًا.

ثالثًا: يمكن الجواب عن الاستدلال بالحديث كذلك بما يأتي:

أن الحديث ليس نصًا صريحًا في تحريم الأجرة على الأذان؛ إذ لو كان كذلك لقال - صلّى الله عليه وسلم -: لا تجوز الأجرة على الأذان، أو: لا يحل للمؤذن أخذ الأجرة على أذانه؛ إذ ليس يعقل أن تكون الأجرة على الأذان من المحرمات، ولا ينص الشارع على ذلك، وهو يرى أن الأذان متكرر في اليوم خمس مرات، وهو من شعائر الإسلام الظاهرة (٣).

ثمّ إنَّ الحديث قد يدلُّ على أن أخذ الأجرة على الأذان كان معروفًا في عهده - صلّى الله عليه وسلم -، أو أنّه أوحى إليه بما يكون بعد ذلك من أخذ الأجرة على الأذان، فكان أن أرشد، وندب إلى اتخاذ المؤذن الّذي لا يأخذ أجرًا على أذانه، وترك من يأخذ ذلك.


(١) المجموع للنووي: ٣/ ١٢٨، أسنى المطالب شرح روض الطالب لزكريا الأنصاري: ١/ ١٣٢، حاشية السندي على سنن النسائي ١/ ٣٥٢، عون المعبد شرح سنن أبي داود لأبي الطيب العظيم آبادي ٢، ١٦٥.
(٢) الذّخيرة للقرافي: ٢/ ٦٧.
(٣) قال الصنعاني في شرحه على حديث عثمان: "ولا يخفى أنّه لا يدلُّ على التّحريم". سبل السّلام للصنعاني: ١/ ٢٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>