للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أخذ ابن حزم بظاهر الحديث، وحمل الأمر فيه على الوجوب، ويجاب عن ذلك بما يأتي:

أوَّلًا: أن الاستحباب جاء مصرحًا به في رواية عند البزار (١) حيث روى الحديث بزيادة: "إن شاء" (٢). وهذه الزيادة تدفع الوجوب الّذي قاله ابن حزم (٣).

ثانيًا: أنّه في بعض الروايات - كما سيأتي- شبهه النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - بالدين، وقضاء الدِّين إنّما يتعلّق بتركة الميِّت، لا بوليه؛ فإذا لم يخلف تركة فلا يجب على الولي شيء، ولكن يستحب له ذلك على سبيل الصلة له والمعروف (٤).

ثالثًا: اتفاق العلماء على أن ذلك مستحب، وليس بواجب، حتّى إنَّ بعضهم ادعى الإجماع على ذلك (٥).

الدّليل الثّاني: عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله: إنَّ أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال - صلّى الله عليه وسلم -: (لو


(١) هو الإمام الحافظ الحجة: أحمد بن سلمة بن عبد الله، أبو الفضل النيسابوري البزار، رفيق الإمام مسلم في الرحلة، ولد سنة ٢٠٩ هـ، سمع من قتيبة، وإسحاق بن راهويه، وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم، وحدث عنه أبو زرعة، وأبو حاتم وغيرهما، توفي سنة ٢٨٦ هـ. (سير أعلام النُّبَلاء للذهبي: ١٣/ ٣٧٣، تذكرة الحفاظ للذهبي: ٢/ ٦٣٧.
(٢) أخرجه البزار في مسنده المسمى (البحر الزخار). كما في: كشاف الأستار عن زوائد البزار: ١/ ٤٨١ (١٠٣٢). قال الهيثمي في مجمع الزوائد: ٣/ ١٨٢: إسناده حسن، وقال ابن حجر في التلخيص بعد ذكر الزيادة: وهي ضعيفة لأنّها من طريق ابن لهيعة: ٢/ ٢٠٩. هذه الزيادة جاءت من طريق ابن لهيعة، وهو مختلف في حاله، فبعض العلماء يصحح حديثه، وبعضهم يضعفه مطلقًا، وبعضهم يفرق بين حالتين: ما قبل احتراق كتبه وما بعدها، فما رواه قبل فهو صحيح، وما رواه بعد فلا يحتج به، وبعضهم يفرق بين ما رواه عنه العبادلة مثل ابن المبارك، وابن وهب، وغيرهما، فما رواه عنه العبادلة، فيقبل وما رواه عنه غيرهم فلا يقبل. (النفح الشذي لابن سيد النَّاس: ١/ ٧٩٤، تحقيق د. أحمد معبد عبد الكريم، وقد فصل القول في ابن لهيعة بما لا مزيد عليه.
(٣) الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن: ٥/ ٢٩٧.
(٤) المغني لابن قدامة: ٤/ ٣٩٩ - ٤٠٠، ١٣/ ٦٥٥.
(٥) الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن: ٥/ ٢٩٧، فتح الباري لابن حجر: ٤/ ٢٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>