للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمّا أدلتهم على المنع فقد تقدمت عند ذكر أدلة أصحاب القول الثّالث.

وأمّا ما استدلوا به على الجواز للضرورة والحاجة فهو ما يأتي:

قالوا: إنَّ المتقدمين الّذي منعوا أخذ الأجرة على التعليم، إنّما بنوا رأيهم على ما شاهدوه من قلة الحفاظ لكتاب الله، ورغبة النَّاس فيهم، وكان لهم عطيات من بيت المال، تكفيهم أمر معاشهم، ولرغبة المعلمين في بذل تعليم القرآن حسبة لله تعالى، ومروءة المتعلمين في مجازة الإحسان بالإحسان، من غير شرط لأخذ الأجرة على التعليم.

ولهذا كان العلماء يفتون بوجوب التعليم خوفًا من ذهاب القرآن وتحريضًا على التعليم حتّى ينهضوا لإقامة الواجب فيكثر حفاظ القرآن.

وأمّا اليوم فقد ذهب ذلك كله، واشتغل الحفاظ بمعاشهم وقلّ من يعلم حسبة ولا يتفرغون له أيضًا، فإن حاجتهم تمنعهم من ذلك، فلو لم يفتح لهم باب التعليم بالأجر، لذهب القرآن، فأفتوا بجواز ذلك لذلك، ورأوه حسنًا (١).

وقالوا: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان (٢)، وشأن المعلم الفقير في ذلك، شأن ولي اليتيم، يأكل مع الفَقْر ويستغني مع الغِنَى (٣)، فإن الفقير إذا علّم حسبة لله، وإنّما أخذ الأجرة لحاجته لها وليستعين بها على طاعة الله، فإنّ الله تعالى يأجره


(١) تببين الحقائق للزيلعي ٥/ ١٢٤، ١٢٥، العناية شرح الهداية للبابرتي ٧/ ١٨٠، حاشية ابن عابدين ٥/ ٣٤، ٣٥، رسائل ابن عابدين (رسالة نشر العرف) ٢/ ١٢٣، قال ابن عابدين: (إفتاؤهم يجواز الاستئجار على تعليم القرآن ونحوه لانقطاع عطايا المعلمين الّتي كانت في الصدر الأوّل، ولو اشتغل المعلمون بالتعليم بالأجرة يلزمهم ضياعهم وضياع عيالهم ولو اشتغلوا بالاكتساب من حرفة وصناعة يلزم ضياع القرآن والدين فأفتوا بأخذ الأجرة على التعليم). اهـ
(٢) شرح القواعد الفقهية للزرقاء، ص / ١٧٣.
(٣) قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} سورة النِّساء: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>