للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الاعتراض على هذه المناقشة]

هذا الإشكال لا يخفى لا يردّ إِلَّا على الحنفية فقط على مذهبهم في عدم صحة الإجارة على التعليم، وابن الهمام إنّما أورد هذا الإشكال على أصحابه من الحنفية إذا سلموا بصحة ذينك الدّليلين؛ لأنّهم حينئذ يكونوا قد وقعوا في التناقض، وبيان ذلك: أنّهم منعوا من صحة الإجارة على تعليم القرآن لعدم تحقق ماهية الإجارة، ثمّ قالوا بالجواز استحسانًا مع بقاء المانع وهو عدم تحقق الماهية فيلزمهم حينئذ: إمّا القول بصحة الإجارة في الأصل وعدم التسليم بصحة هذين الدّليلين، أو القول بعدم صحة الإجارة على التعليم مطلقًا وإبطال مذهب المتأخرين وهو القول بصحة الإجارة على التعليم استحسانًا خشية ضياع القرآن، ويسلم لهم ما استدلوا به (١).

[الترجيح]

بعد ذكر أدلة الأقوال، وما ورد عليها من مناقشات، وما أجيب به عن تلك المناقشات، يتبين رجحان القول الأوّل الّذي يقضي بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن للحاجة، والضرورة، ويعود سبب هذا الترجيح لما يأتي:

أوَّلًا: أن هذا القول فيه جمع بين الأدلة وإعمال لها جميعًا، وإعمال الدّليلين أولى من إهمال أحدهما، وعليه فإن الجمع يكون بحمل أدلة المانعين على عدم الحاجة، وانتفاء الضّرورة المؤدية إلى أخذ الأجرة وبحمل أدلة المجيزين على حاجة المعلم وفقره؛ لأنّ عدم أخذ الأجرة في هذه الحالة يقضي إلى ضياع القرآن.


(١) قد أجاب ابن الهمام على هذين الدّليلين ولم يسلم بصحتها، وقد تقدّم ذكر ذلك عند مناقشة أدلة المانعين.
قلت: ويمكن توجيه هذين الدّليلين بأن نقول: إنَّ ماهية الإجارة متحققة في تعليم القرآن بدليل أن الطالب يتعلم ويحفظ القرآن، وبذلك تكون المنفعة حصلت للمتعلم والذي وقع عن العامل منها هو الثّواب، وإذا تعلم الطالب أو التلميذ، فتكون المنفعة حصلت، فينتفي القول بعدم القدرة على التسليم؛ لأنّ فعل المعلم الّذي هو التلقين والإلقاء يملك المعلم القدرة على تسليمه، وبه يحصل التعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>