للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه، فأمَّا من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية منه فلا يعذب لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:١٦٤]، وكان من عادة العرب الوصيَّة بذلك، فخرج الحديث مطلقا حملًا على ما كان معتادًا لهم (١).

ثانيًا: قالوا: إنَّ هذا الحديث أنكرته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عندما سمعته، ونسبت راوية إلى النِّسيان والغلط، وبينت أن هذا في حق غير المسلمين، فقد روت عمرة بنت عبد الرّحمن، أنّها سمعت عائشة وذكر لها أن عبد الله ابن عمر رضي الله عنه يقول: إنَّ الميِّت ليعذب ببكاء الحي، فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرّحمن، أمّا إنّه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ، إنّما مرّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - على يهودية يبكى عليها، فقال: (إنهم ليبكون عليها، وأنّها لتعذب في قبرها) (٢).

وفي رواية قالت: يرحم الله عمر، لا والله ما حدّث رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -:

"إنَّ الله يعذب المؤمّن ببكاء أحدٍ"، ولكن قال: "إنَّ الله يزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه"، قال: وقالت عائشة: حسبكم القرآن {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] ".

ثالثًا: قالوا: إنَّ هذا الحديث محمول على من لم يوص بترك البكاء والنياحة، فأمّا من وصى بتركهما فلا يعذب بهما إذ لا صنع له فيهما ولا تفريط منه (٣).

رابعًا: قالوا: إنّه محمول على من كانوا يندبون الميِّت وينوحون عليه، وذلك بتعديد شمائله ومحاسنه في زعمهم، وهي في الحقيقة قبائح محرّمة في الشّرع يعذب الله عليها، ومن ذلك أنّهم كانوا يقولون: يا مؤيد النسوان ومؤتم الولدان، ومخرب العمران، ومغرق الأخدان، ونحو ذلك ممّا يرونه شجاعةً وفخرًا وهو محرم شرعًا (٤).


(١) شرح النووي على مسلم ٦/ ٢٣٨، ٢٣٩.
(٢) أخرجه مسلم، كلتاب الجنائز، باب الميِّت يعذب ببكاء أهله عليه ٢/ ٦٤٣ (٩٣٢).
(٣) شرح النووي على مسلم ٦/ ٢٢٩.
(٤) المرجع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>