للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالُ الثَّامِنْ

أنَّ العلماء لم يتفقوا على وقوع الإِنشاء في جميع الصُّوَر، بل اتفقوا عليه في القَسَم. فإِذا قال القائل: أقسمتُ بالله لتفعلَنَّ، لا يَحْسُن أن يقال له: صَدَقتَ ولا كَذَبت إِجماعًا، ولا يُحتاجُ في صدقِ هذه الصيغة إِلى تقدُّم قَسَمٍ منه، بل هو مُنشِئٌ للقَسَمِ بقوله: أقسمتُ. وهذا لاخلاف فيه، نَصَّ على ذلك أئمة العربية وغيرُهم.

وأما صِيَغُ العقود فقالت الشافعية والمالكية: أنها إِنشاء للبيعِ وغيرِه. وقالت الحنفية: هي إخبارات على أصل وَضْعِها في اللغة (١)، مُحتجِّين بأنَّ أصلَ هذه الصِّيَغ أن تكون خبَرًا، وإِنما الشرعُ (٢) يُقدَّرُ فيها إِذا نَطَق بها


(١) قال شيخ الحنفية الإِمامُ المرغيناني في كتابه "الهداية" في كتاب النكاح ٢: ٣٤٤ بحاشية "فتح القدير": "النكاحُ يَنعقدُ بالإِيجاب والقبول، بلفظين يُعبَّر بهما عن الماضي، لأن الصيغة وإن كانت للِإخبار وَضْعًا فقد جُعلَتْ للإِنشاء شرعًا". قال الكمالُ بن الهمام في "فتح القدير": "والمرادُ بقوله: (جُعِلَتْ للإِنشاء شرعًا) تقريرُ الشرعِ ما كان في اللغة، وذلك لأنَّ العقد قد كان يُنشَأ بها قبلَ الشرع فقرَّره الشرع. وإنما اختِيرَتْ للإِنشاء لأنها أدلُّ على الوجود والتحقق، حيث أفادَتْ دخول المعنى في الوجود قبلَ الإِخبار، فأُفيدَ بها ما يلزَمُ وجودُه قبلَ وجود اللفظ".
وأفاد كلامُ ابن الهمام هذا أنه لا خلافَ بين الحنفية وغيرِهم في أن المراد بصِيَغِ العقود إنشاءُ الِإخبار، على خلاف ما يفيده كلام القرافي هنا - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
(٢) أي حُكمُ الشرع بأنها للإِنشاء. أفاده شيخنا الشيخ ناجي أبو صالح رحمه المولى.

<<  <   >  >>