للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المكلّفين إِلى قيام الساعة، والحكمُ يختصُّ بالوقائع الجزئية الخاصَّة فتجويزُ الاختيار في الشرائع العامَّة أولى أن يجوز في الأمور الجزئية الخاصَّة، وهذا مقتضى الفقهِ والقواعد الشرعية.

ومن هذا التقرير يُتصوَّرُ الحكمُ بالراجح وغيرِ الراجح، وليس ذلك اتّباعًا للهوى، بل ذلك بعدَ بَذْلِ الجهدِ والعجزِ عن الترجيحِ وحصولِ التساوي، أمَّا الحكمُ أو الفُتيا بما هو مرجوحٌ فخلافُ الإِجماع (١).


(١) نقل العلامة الشيخ عليش - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - هذا السُّؤَالُ وجوابه في فتاواه (فتح العلي المالك) ١: ٥٨ - ٥٩ ثم أتبعَهُ بقوله: "فانظر وتأمل قول القرافي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - كيف مَنَع المجتهدَ من الحكم والفتيا إلَّا بالراجح عنده، وأجازَ للمقلِّد أن يُفتي أو يَحكم بالمشهور وإن لم يكن راجحًا عنده ولا صحيحًا في نظره، مع كونه أهلاً للنظر وعارفًا بطرق الترجيح وأدلةِ التشهيرِ والتصحيح، فإذا نَظَر ورجَحَ عنده غيرُ المشهور، جاز له أن يفتي بغير الراجح عنده إن كان مشهورًا عند إمامه وإن كان شاذًا مرجوحًا في نظره، لكونه يُقلِّدُ في ترجيح المشهور إمامَهُ الذي قلَّده في الفتوى.
فإن قلت: لفظُ الجواز يقتضي أن ليس على المقلَّد من مُفتٍ أو عالم أن يُقلِّدَ إمامَه في رجحان قول من أقواله ولو رَجَحَ عنده الإِمامُ القائل، لأنه إذا لم يكن تقليده لهذا الإِمام في أصل القول لازمًا، بل له أن يُقلِّدَه أو يُقلِّدَ غيرَه وإن كان الغيرُ مفضولاً في اجتهاده - حسبما هو مختار القاضي أبي بكر وجماعةٍ من الأصوليين والفقهاء وأكثرِ الشافعية وصحَّحه ابنُ الصلاح - فيكون فيه دليل على جواز العمل بغير الراجح قضاءَ وفتوى، إذ لا زائدَ في المشهور سوى الرجحان.
قلت: لا دليل فيه على جواز العمل بغير الراجح، لأنه لا يَلزَمُ من العمل على المرجوحِ عنده الراجحِ في نظر إمامه أو عكسِه العَملُ بالمرجوح في نظرهما معًا، والله تعالى أعلم.
فإن قلتَ: قولُ شهاب الدين القرافي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: "أمَّا الحكمُ والفتيا بما هو مرجوح فخلافُ الإِجماع" مع قوله أولَ الكتاب في ص ٤٤: "للحاكم أن يَحكم بأحدِ =

<<  <   >  >>