للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمر الرابع: أن الشريعة محفوظة باقية تكفل الله بحفظها وعدم ضياع شيء منها بقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]، فكل ما اقتضى حكمًا تكليفيًا فهو محفوظ باق بدلالة هذه الآية.

الأمر الخامس: المعتبر في الاستدلال الشرعي غلبة الظن بالأمر أو عدمه، لا اعتبار الواقع في نفس الأمر، فالدليل الذي لم يبلغ المجتهد - الذي لم يقصر في البحث والطلب - لا يلزمه، فهو في حقه كالعدم - وإن كان واقعًا في نفس الأمر - إذ لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فتكليفه بذلك فيه تكليف بما لا يطاق، وهو غير واقع في هذه الملة بحمد الله.

الأمر السادس: من المعلوم قطعًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما غير حكم البراءة الأصلية في كل الأفعال، فنحن بعد ورود الشرع على أحد أحوال ثلاثة:


= حجة، وفيه خلاف لغيرهم".
قال الشيرازي في اللمع (ص ٢٤٦): "وذلك طريق يفزع إليه المجتهد عند عدم أدلة الشرع، ولا ينتقل عنها إلا بدليل شرعي ينقله عنه، فإن وجد دليلًا من أدلة الشرع انتقل عنه سواء كان ذلك الدليل نطقًا أو مفهومًا، أو نصًّا أو ظاهرًا؛ لأن هذه الحال إنما استصحبها لعدم دليل شرعي، فأي دليل ظهر من جهة الشرع حرم عليه استصحاب الحال بعده". وهذا المعنى الذي ذكره الشيرازي لا يخالف فيه أحد وإن اشتهر عن الحنفية رده إلا أن ذلك يقع كثيرًا في كتبهم فواقعهم العملي يرد عليهم.
ولعل هذا المعنى هو ما دفع أبا الطيب الطبري لنقل الإجماع فيه إذ لا تتصور المخالفة في هذا المعنى وإن وقعت في التسمية، وانظر أيضًا: المسودة (٢/ ٨٨٦)، تحفة المسؤول في شرح مختصر منتهى السول (٤/ ٢٢٤)، التنقيحات في أصول الفقه (ص ٣١٦): السهروردي [تحقيق: عياض بن نامي السلمي، ط. الأولى (١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م)، مكتبة الرشد].